الخطف بسكين مطبخ

TT

مر زمن لم نر فيه عمليات خطف طائرات مثيرة بفضل الإجراءات الأمنية المشددة التي لم تعد تترك للتنظيمات الإرهابية فرصة التسلل من خلال الأجهزة الأمنية التي تشم البارود، وتعرية كل ما يمكن أن يمر من خلالها، مع إيصاد الأبواب في المطارات المحكمة بأجهزة الإنذار وكاميرات المراقبة. وهكذا صارت المطارات قلاعا أمنية يعجز خريجو جبال باكستان وأفغانستان من عبورها. إنما كادت الدقائق الخمس عشرة، التي حاول فيها الراكب على متن «مصر للطيران» خطف الطائرة بسكين مطبخ، على إفساد كل ما تم تصميمه لجعل الطيران آمنا من الإرهاب.

أو يمكن أن نقول إن تلك الدراما القصيرة بعيد إقلاع الطائرة من إسطنبول مخيفة، لكن مع هذا عززت الثقة في الإجراءات الأمنية لأن اثنين من حرس الطائرة السريين قفزا من مقعديهما وأمسكا بالرجل والسكين وأحبطا مع المضيفين المحاولة، التي يبدو أن فاعلها رجل مسكون بالغضب أكثر من كونه عضوا في تنظيم إرهابي. ولست أدري إن كان الجهل يصنف تخلفا عقليا، والغضب مرضا عقليا، والحماقة حالة عقلية غير متزنة، فهذا ما يقال عادة عن كل مقبوض عليه يرتكب جرائم سياسية. وسواء كان غاضبا أو معتوها فقد كاد الرجل أن يخطف طائرة بسلاح من مطبخ الطائرة، الذي لا يشك أحد أنه قادر على الإيذاء، لكن ربما ليس كافيا لتغيير وجهة سفر الطائرة.

الفارق بين محاولة الخطف هذه وعمليات الإرهاب الجوية السابقة أنها بالفعل عمل فردي لا يمكن أن يقارن في ترتيبه وحجمه وخطره بما كنا نراه سابقا. لكن يمكن أن ننظر إلى الحادثة على أنها مهمة للتنظيمات الإرهابية، التي تراقب بعيون الصقر حركة الطيران والحراسات وتبحث عن ثغرات. أهميتها لاختبار الحماية الجوية من قبل الحرس السريين وتصرف قائد الطائرة ومجمل الدعاية الإعلامية التي سترافق الحدث. النتيجة كانت صفرا لأن سكين المطبخ وصاحبها انتهت سريعا ولولا الحجز االقضائي للمتهم ربما لم يدر بها أحد.

ومن الأكيد أن هناك الكثير من سكاكين الأكل في كل الطائرات التي استبدلت بقطع بلاستيكية في فترة سابقة التي لم تفلح شكلا، ولم تصلح لقطع اللحم وإنهاء وجبات الطعام التي هي جزء من الخدمة التنافسية. ومن الأكيد أن هناك من الغاضبين، أو المختلين عقليا، أكثر من عدد سكاكين مطابخ الطائرات، الذين لولا الخوف والدروس الفاشلة السابقة لكان خطف الطائرات عملا يوميا، وربما منع العرب من ركوب الطائرات مائة سنة مقبلة.

ولحسن الحظ، مع أن المؤسسات السياسية والتوعوية فشلت في تربية المواطنين، فإن الأجهزة الأمنية أفلحت في ضبط الأمور على الأرض والجو. ونحن بلا شك في زمن مليء بالمختلين العقليين الذين حولوا المنطقة إلى فوضى وجعلوا العالم في حالة قلق وتأهب مستمرين، وأنفقوا الكثير من المال والوقت من أجل البحث عن المختلين العرب من أهلنا.

[email protected]