آلام الشاب هاملت

TT

عبقرية الديمقراطية هي تداول السلطة، التي تجبر المعارضة على الجدية، خصوصا بالنسبة لأمور كالحرب، التي كان الديمقراطيون غير جادين بشأنها حتى 20 يناير (كانون الثاني).

وعندما واجهت الحرب في العراق (التي صوّت غالبية الأعضاء الديمقراطيين لصالحها) مشكلات وارتفعت أعداد القتلى مالأ الديمقراطيون الرأي العام الرافض للحرب وعارضوها، لكن حاجتهم إلى تغطية سياسية لما اشتهر عنهم بعد حرب فيتنام من الضعف في مسائل الأمن القومي تبنوا أفغانستان كحرب مفضلة.

وكتب المستشار الديمقراطي، بوب شرام، بعد انتخاب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بفترة وجيزة: «لقد كنت عضوا في حملة جون كيري الانتخابية عام 2004، التي صعدت من فكرة أفغانستان على أنها (الحرب الصائبة) للحكمة الديمقراطية التقليدية، وقد كان ذلك صائبا كانتقاد لإدارة الرئيس بوش، لكنها كانت انعكاسا، وربما تكون الآن مضللة كسياسة». وهو ما يعني أن الانتصار في أفغانستان كان سياسة ماكرة لم يؤمن بها الديمقراطيون على نحو جاد، وملائمة لكي يحرجوا جورج بوش بشأن العراق، وكي يظهروا في الوقت ذاته محافظين على مظهرهم في الاستعداد للحرب لإبعاد الاتهامات بالضعف ناحية الأمن القومي.

لقد نجحت عبارتهم «حرب العراق سيئة وحرب أفغانستان صائبة» التي صاغوها بذكاء كبير وبنبرة متشائمة، وفاز الديمقراطيون في البداية بانتخابات الكونغرس ثم البيت الأبيض، لكنهم الآن، ولسوء الحظ، يجب أن يحكموا، ولم تعد هناك مساحة لممارسة الألاعيب أو مزيد من المظاهرات.

إذن ما الذي سيفعله قائدهم الأعلى الآن في الحرب التي زعم إبان حكم الرئيس بوش أنه يجب الانتصار فيها، وأنها لم تلق التمويل الكافي من قبل بوش؟

هل سيقدم التمويل الكافي للفوز بها؟ أنت ستظن ذلك، فهذا هذا هو ما طلبه قائد قواته في 30 أغسطس (آب)، حيث طلب زيادة عدد القوات ما بين 30000 إلى 40000 جندي، للحفاظ على الاستقرار وإنقاذ أفغانستان، بنفس الصورة التي تمت بها زيادة عدد القوات في العراق.

كان ذلك منذ أكثر من خمسة أسابيع مضت، لكنه لم يتلق ردا. وأوباما يعاني، بينما العالم يشاهد. لماذا؟ لأنه كما يقول مستشار الأمن القومي، جيمس جونز، يجب أن لا تلزم نفسك بزيادة عدد القوات من دون أن تستقر على استراتيجية.

هل لا توجد استراتيجية؟ يمكن أن تتضح الصورة بتذكر ما قاله الرئيس وهو محاط بوزيري خارجيته ودفاعه عندما قال: «إنني أعلن اليوم عن استراتيجية شاملة جديدة بشأن أفغانستان وباكستان، ثم شرح حملة مكافحة الإرهاب المدني والعسكري لهزيمة طالبان في أفغانستان».

وللتأكيد على جديته، أوضح الرئيس أنه لم يصل إلى هذا القرار بصورة عشوائية. والاستراتيجية الجديدة التي أعلنها: «تتبنى خلاصة المراجعة الدقيقة للسياسة في أفغانستان. تذكّر أنها النتيجة وليست البداية أو الوسيلة. نتيجة المراجعة الموسعة، التي أعلنها الرئيس للدولة، والتي شملت مشاورات مع القادة العسكريين والدبلوماسيين، وحكومات أفغانستان وباكستان، وحلفائنا في الناتو، وأعضاء الكونغرس».

وقد أعفي الجنرال المسؤول حينئذ، وتم استبدال الجنرال ستانلي ماكريستال، الذي كان خيار أوباما، به. وماكريستال هو ذاته الذي طلب 40000 جندي إضافية، وهو المطلب الذي أعفي القائد السابق بسببه.

بعد ذلك بدأ البيت الأبيض في تسريب استراتيجية بديلة، كان من الواضح أنها مقترحة (أو مخترعة؟) من قبل بايدن، نائب الرئيس، لتحقيق انتصار حاسم باستخدام صواريخ «كروز»، والطائرات بلا طيار، وقوات العمليات الخاصة.

المثير للسخرية أنه لا أحد يعلم بشأن هذه الحرب أكثر من الجنرال ماكريستال، فقد كان مسؤولا عن هذا النوع تحديدا من مكافحة الإرهاب في العراق على مدى خمس سنوات، الذي قتل نتيجته آلاف المتمردين في عمليات كانت ناجحة بدرجة كبيرة.

وعندما يقترح الخبير العالمي في هذا النوع من مكافحة الإرهاب هذه الاستراتيجية المعاكسة يكون لديك أكثر الآراء إقناعا حيال مكافحة الإرهاب من قبل رجل يعرف حدود إمكاناتها ومواطن القصور فيها. وقد كان ماكريستال رائعا في توصيته عندما قال إن الاتجاه إلى أي سبيل آخر غير مكافحة الإرهاب بهذه الصورة سيكون سببا في خسارة الحرب.

بيد أن قائده الأعلى، هاملت الصغير، مضطرب ومتردد ويتعذب. فمستشاروه المحليون، الذين يقودهم رام إيمانويل، يخبرونه بأنه إذا ما حاول تنفيذ الاستراتيجية فسيكون مثل ليندون جونسون الذي دمرت الحروب الخارجية حلمه الداخلي. أما نائب الرئيس فيحتفظ بوهم النجاح في استراتيجية مكافحة الإرهاب من دون أضرار.

ومقابل إيمانويل وبايدن يقف الجنرال ديفيد بترايوس، القائد والخبير المحنّك في مكافحة الإرهاب (فقد أنقذ العراق بهذه الاستراتيجية)، وستانلي ماكريستال، أحد أكبر الخبراء في العالم في مكافحة الإرهاب. فمن الذي يمكنك الوثوق بتوصياته في مكافحة الإرهاب.

منذ أقل من شهرين، وتحديدا يوم 17 أغسطس، وأمام الحضور من المحاربين القدامى الأميركيين، أعلن الرئيس أن أفغانستان ستكون «حرب ضرورة»، فهل يظل أي مما قاله قابلا للتطبيق بعد زوال تصفيق الجماهير؟

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»