آخر أيام الدولار؟

TT

عندما نفت كبريات الدول المنتجة للنفط تقريراً صحفياً بريطانياً ذكر أن هناك مباحثات سرية بين هذه الدول والصين وروسيا وفرنسا واليابان لتسعير النفط بسلة عملات بدلا من الدولار الأمريكي، فُتح الحديث من جديد وبقوة عن مصير العملة الأمريكية كعملة تجارية أولى في العالم. الدولار تهاوى لثلاث سنوات متتالية بدءا من العام 2006 ومع حصول الأزمة المالية العالمية الكبرى عاد للصعود، ولكنه عاد للهبوط بمعدل 15% منذ شهر مارس الفائت عندما لجأ المضاربون والمستثمرون إلى عملات ذات عوائد أعلى وأهم. ولأن الدولار من الممكن الاقتراض به بمستويات فوائد تقترب من الصفر، فهو بات مغناطيسا جاذبا لهواة المضاربين الذين يقترضون بالدولار ومن ثم ينجزون عمليات مضاربة على عملات أخرى وأسهم في أسواق ناشئة. الدولار وحده كعملة «رابحة» لم يعد مقنعا بالنسبة للاقتصاديين والماليين حول العالم، وضعف الاقتصاد الأمريكي وزيادة ديونه باتا ينعكسان على «قوة» العملة وعوائدها، وأصبح من الضروري التفريق بين القدرة والملاءة المالية للعملة كعنصر تقييم وبين الانتشار الجغرافي للعملة حول العالم.

هناك العديد من البنوك المركزية المهمة حول العالم باتت تعتمد على سياسة شراء متعددة العملات للاحتياط النقدي الصعب لها بعد أن كانت في السابق سياسة دولارية حصرية. هناك بعض الدول التي كشفت تركيبة احتياطياتها النقدية أخيرا وأظهرت أن بنوكها المركزية باتت تحتفظ بـ63% من احتياطي النقد الصعب لديها في صورة يورو وين ياباني. حتى الآن لا تبدي إدارة الرئيس أوباما القلق والخوف من الانحدار المتواصل للدولار عالميا؛ فهي تنظر لهذا الوضع بإيجابية وخصوصا على المدى القصير لأنها تعتقد أن ذلك سيساعد على خفض الفجوة والعجز في الميزان التجاري بين أمريكا والعالم، لأن تسعيرة السلع والخدمات الأمريكية ستكون أكثر إغراء للمستهلك، وبالتالي ستزيد المبيعات لها. ولكن على المدى المتوسط هناك قناعة بأن العمر الافتراضي للدولار مقدم على نهاية، والبنوك المركزية الكبرى أطلقت عليه رصاصة الرحمة وسرعان ما سيدرك ذلك تجار العملة ومديرو المحافظ الاستثمارية الذين حتما سيقومون بموجات بيع متواصلة، وهذا بطبيعة الحال من شأنه أن يهوي بالعملة إلى مستويات دنيا غير مسبوقة، وهذا سيعني ارتفاعا هائلا في أسعار الواردات بالنسبة للسوق الأمريكية وهي السوق الكبرى عالميا، مما يعني موجة هائلة من التضخم قد تجبر البنك المركزي الفيدرالي على رفع أسعار الفائدة على الدولار لتبريد «حمى» التضخم حينما يحصل. الدولار كعملة عالمية أولى فقدت بريقها القديم، فالأسواق الناشئة أجبرت عملات أخرى ولاعبين جددا على الدخول في الساحة المالية، وبالتالي قواعد اللعبة إلى تغير ومن يلعب بقوانين اللعبة الجديدة يفوز، ومن عاند وبقي على القديم وفاتته قراءة المتغيرات الحاصلة حتما سيخسر.

[email protected]