في السعودية حوار مهم

TT

تشهد المملكة العربية السعودية حراكا وحوارا مستمرا منذ 8 سنوات تقريبا، نتجت عنه تغييرات لو أحصيت لكانت مفاجئة للسعوديين أنفسهم، قبل غيرهم.

حراك طال كل ركن من أركان البيت السعودي، من نظام الحكم، وحتى المؤسسات التعليمية، والقضائية، والأمنية، والاقتصادية، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومؤسسات أخرى، بل إن السعوديين تجاوزوا أمورا كثيرة كانت بمثابة الـ«تابو»، ورغم الانتقاد السائد عن بطء السعودية في التغيير، فإن من يراقب التحولات سيجد أنها أسرع مما يمكن تصوره.

آخر هذا الحراك هو النقاش الدائر بالصحافة السعودية، من قبل علماء كبار، وأهل اختصاص، حول المرأة، ومفهوم «الاختلاط»، وأبرز ما طرح بهذا الأمر هو تصريح وزير العدل السعودي الشيخ الدكتور محمد العيسى بصحيفة «الرياض» (24 أكتوبر 2009) والذي تحدث، وأصّل شرعياً، عن أن مفهوم «الاختلاط» السائد اليوم منافٍ تماما لمفهوم الخلوة غير الشرعية، حيث يقول «سمعنا جميعاً عن التوجس من الاختلاط، بحجة تطبيق مفاهيم الإسلام في صيانة المرأة، وحراسة فضيلتها، وعفافها، فكان من الأسف الخلط في هذا «الاختلاط»، وهو ما لا يعرف في قاموس الشريعة الإسلامية إلا في أحكام محدودة ـ كمباحث الزكاة ـ المنبتة الصلة عن معنى هذا المصطلح الوافد، ليُشمل في الطروحات المتأخرة ببدعة مصطلحية لا تعرف في مدونات أهل العلم، في سياق تداخل مصطلحها المحدث بمصطلح الخلوة المحرمة التي لا تجيزها فطرة أي مسلم له كرامة وشيمة».

مضيفا «ولا شك أن شيوع مصطلح الاختلاط بدل الخلوة غير الشرعية من الجناية العمدية على المصطلحات الشرعية، وتحميل نصوصها ما لا تحتمل، بل زاد الأمر، حيث اكتسى هذا المصطلح الغريب حصانة منتحلة، في حين خالفته نصوص الشرع ونقضت مفهومه».

وبالطبع فإن هناك من سينتقد كلام الشيخ، على اعتبار أنه وزير بالحكومة، رغم أن الشيخ العيسى عالم في الشريعة قبل المنصب وبعده، ومع ذلك فهناك تصريح سبق تصريح الشيخ السعودي بصحيفة «المدينة» (22 أكتوبر 2009) وعلى لسان الشيخ يوسف القرضاوي يقول فيه إن كلمة «الاختلاط» في مجال العلاقة بين الرجل والمرأة، «كلمة دخيلة على المعجم الإسلامي لم يعرفها تراثنا الطويل العريض طوال القرون الماضية، ولم تعرف إلا في هذا العصر».

ومن هنا نقول إن أهمية هذا الطرح، في السعودية تحديدا، تكمن في أنه قد يعيد إطلاق نصف ماكينة المجتمع السعودي المعطلة، وهي المرأة، بل ويزيل كثيرا من اللبس الذي أصاب الرؤية الجمعية للمرأة السعودية، ومنذ سنين قريبة، خصوصا وأن الدولة، ومنذ عهد المؤسس الراحل الملك عبد العزيز رحمه الله، وحتى اليوم في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، قامت وتقوم بتحقيق وتدعيم حق المرأة، ويكفي دائما تذكر معركة التعليم، التي تمثل نموذجا ناصعا لحرص الدولة السعودية على المرأة.

وعليه فإن أهمية هذا الطرح ستكون أكثر وأعم فائدة في حال كانت مطروحة بشكل علمي مؤصل في مناهج التعليم، وليس عبر وسائل الإعلام فقط.

[email protected]