في الحاضر المقارن

TT

ليست هناك كلمات احترازية للكتابة عن باكستان السياسية. فالوقائع فجة ولا يلطفها شيء ولا تغطيها الدبلوماسيات. بلد يسير في اتجاه واحد منذ نصف قرن. فورات وانقلابات واغتيالات وحروب وانفصالات ونفي وفساد وعسكري يأتي وعسكري يذهب. ولا نعرف من هو العسكري المقبل، لكنه ينتظر في حالة تأهب في ثكنة ما في روالبندي. ذلك أن باكستان في حرب مرة أخرى. والعسكر يقاتلون العفريت الذي دربوه على سواهم فارتد عليهم كما يحدث في كل هذه الحالات وليس في بعضها. إنها قاعدة لا تخطئ في الدول التي تنتقل فيها الأنظمة من مؤامرة إلى مؤامرة ومن فقر إلى فقر ومن إفلاس صغير إلى إفلاس كبير.

وقد تبادل حكام باكستان المنافي والسجون وأعواد المشانق والاغتيالات. والمرحلة الوحيدة التي عرفت فيها البلاد شيئا من الاستقرار وشيئا من النمو ومسحة من الهدوء السياسي كانت مع الجنرال برويز مشرف والباقي محطات قصيرة على عتبة الاستقرار. ذو الفقار علي بوتو شنقه ضياء الحق، وأي ضياء وأي حق، وهذا قُتل في إسقاط طائرته، وكان آخر موت معلن اغتيال بنازير بوتو التي عادت من المنفى الطويل إلى حتفها الأخير.

هل هذا نمط الدول الإسلامية وجوار بلاد الأفغان التي تحصد كل عام 60 مليار دولار من الأفيون وتتسبب بمقتل 100 ألف شخص حول العالم، ولا تبني شارعا أو مستشفى؟ لا. هذا نمط البلدان المشرعة على النفوذ الأجنبي والفساد الوطني. انظر إلى إندونيسيا، التي جددت لرئيسها في انتخابات هادئة. انظر إلى هذا النمر الآسيوي الذي لا يكف عن النمو منذ سقوط ديكتاتورية سوهارتو التي امتصت خيرات أمة الجزر. بلد من 235 مليونا 85% منه مسلمون يعطي العالم الثالث مثالا في الاستقرار والتقدم. وكان قد أعطى مثالا في الانتصار على الأزمة الاقتصادية التي أخافت آسيا قبل عقد من اليوم. لقد أصبحت إندونيسيا على عتبة الانطلاق نحو أن تصبح هندا أخرى، أو حتى ربما صينا أخرى. وما هو النموذج الذي تتبعه؟ إنه أيضا نموذج إسلامي آخر. تحاول جاكرتا أن تفعل ما فعلته ماليزيا في رعاية الإثنيات وتزخيم الاقتصاد ونشر التعليم. وتجب الملاحظة بأن الازدهار الحالي ترافقه موجة تدين واسعة، خصوصا بين النساء. لكن مظاهر هذا التدين في المساجد والبيوت والمدارس وليس في نسف الثكنات والمجمعات ولا في الزيادة المرعبة في استهلاك الأفيون القادم أزليا من أفغانستان المتجه أولا إلى دول الجوار، خصوصا باكستان وإيران!