الشريعة والعدالة

TT

كواحد من انشط الزوايا الاعلامية العربية ومن اكثرها حرية، عرض تلفزيون الكويت قبل ايام في برنامج 6/6 الذي يقدمه الاعلامي المعروف يوسف الجاسم مناظرة تلفزيونية بين اربع شخصيات كويتية من المتابعين للشأن العام والمهتمين به، وكان محورها حول مشروع قانون تقدم به عضوان من اعضاء مجلس الامة الكويتي التابعان للتيار الديني ينص على تغيير العقوبات الجزائية في القانون الكويتي «لتتلاءم» مع الشريعة الاسلامية وفق ما يرى من قدمه وأيده.

والندوة بذاتها انعكاس للرأي الكويتي العام حول هذا الموضوع، وهو يتلخص في ثلاث رؤى رئيسية اولها: يرى بأنه يجب ان تكون القوانين متوافقة جميعا مع الشريعة الاسلامية، وان هذه المسألة ربانية لا نقاش ولا جدال حولها، فالمسألة ممنوعة من النقاش البشري لأنه منصوص عليها إلهيا، كما ان طرح مثل هذه التعديلات ـ وفق ما يرى هذا الفريق ـ متوافق مع الدستور الكويتي الذي ينص في مادته الثانية على ان «دين الدولة الاسلام، والشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع».

بينما يرى الفريق الرافض لهذه المقترحات، بأنها مقترحات بشرية تقدمت بها مجموعة من البشر وفق قنوات دستورية تشريعية سنها البشر، ولذلك لا يجوز اضفاء هالة مقدسة عليها من اجل تمريرها، فالاعضاء بشر، وانتخابهم جاء من البشر، والدستور الكويتي وقوانينه الحالية المنشود تعديلها من وضع البشر، ومن ثم فلا يجوز تصنيف من هو مع هذه المقترحات بأنه مع الشريعة والاسلام ومن هو ضدها بأنه مناهض للدين والشرع، وعليه ـ يجادل هذا الفريق ـ بأن هذه المقترحات مرفوضة شكلا ومضمونا لعدم صلاحيتها للدولة الحديثة والمجتمع المدني الحديث.

اما الفريق الثالث فهو لا يرفض مناقشة هذه المقترحات من حيث المبدأ، ولكنه يرفض تطبيقها قبل ان تسود العدالة في التطبيق، فهم يرون في العدالة بتطبيق العقوبة على الجميع أولوية وأسبقية على شكل العقوبة نفسها، فالعبرة ـ في رأيهم ـ ليست في كيفية العقوبة وانما بالعدالة في تطبيقها، ويقدمون في ذلك الدليل تلو الدليل بأن العدالة ناقصة في تطبيق القوانين على الجميع: كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، وعليه فالأحرى بالنواب وممثلي الامة العمل على نشر العدل قبل العمل على تغيير القوانين، لأن العبرة في عدالة التطبيق، وليست في نوع العقاب.

اما الحكومة فقد اعطت رأيها على لسان النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ صباح بأن توقعت عدم الموافقة على هذه المقترحات في اللجنة التشريعية بمجلس الامة الكويتي، وذلك في اشارة واضحة الى عدم قبولها لمثل هذه التعديلات التي ستدخلها في فوضى تشريعية وقانونية، وتسبب لها حرجا دوليا امام المجتمع الدولي الذي ترسم استراتيجيتها الامنية فيه على اساس صورتها الديمقراطية والحديثة والانفتاحية.

اعتقد أن تلك الندوة قد ساهمت ـ ضمن آراء وكتابات أخرى ـ في توجيه الرأي العام الكويتي ضد المشروع قبل تقديمه.