المرأة علّمت الرجل الحب

TT

ما الذي يؤدي بالزوجين الى الطلاق، بعد سنوات طويلة من الارتباط؟! هل يعود ذلك الى الفقر العاطفي الذي يحس به الطرفان بعد أعوام من العشرة، والاحساس بالملل من طعم الحياة المتكرر؟! هل يرجع انعدام التفاهم بين الزوجين الى اصرار كل منهما على ان تكون كلمته هي الفاصلة، في ما يخص حياتهما المشتركة؟! هل التنازلات الحياتية لا بد منها لضمان استمرارية العلاقة الزوجية؟! هل وجود اطفال يُجبر الزوجين على التملّق والتمثيل، ويشكل دافعاً قوياً لكل منهما، في خلق حياة خاصة لنفسه، هو بالهجرة بعيداً بمشاعره عند أخرى تروي تربته الجافة، وهي بالانغماس في حياة اجتماعية صاخبة؟ أم أن هناك أسباباً أخرى تدفع الزوجين الى بناء قصور من الأحلام الخاصة، بعيداً عن مرأى الآخر؟ وهل اختلاف تركيبة المجتمع العربي عن الغربي، يلعب دوراً هاماً في نوعية العلاقة التي تربط بين الزوجين؟ من المعروف ان العصر الحالي الذي تحياه المجتمعات الغربية، افرز سلوكيات جديدة لم تكن موجودة في العصور السابقة، مثل الاعتراف بالعلاقات المثلية، والسماح بالعلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة خارج اطار الزواج، وإباحة الحرية الجنسية للمرأة بهجران زوجها والاتيان بعشيق، اذا شعرت برنين الخلافات يهز جدران بيتها، وأدركت انها لم تعد قادرة على الاستمرار مع الزوج. في البلاد العربية والاسلامية يختلف الوضع، حيث ان الدين والأعراف والتقاليد، هي أساس العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، ومن خلال كل ذلك تتعامل المرأة العربية المسلمة مع واقعها المقدس.

يقال ان المرأة علّمت الرجل الحب منذ قديم الزمان، وان الرجل في الأزمنة الغابرة، كان فظاً، قاسياً، وانها بأنوثتها هذّبت مشاعره، وسمت بعاطفته، وروّضت همجيته، وانها بعطائها اللامتناهي حفّزت همته، وشجعته على الاستقرار وبناء اسرة، وان المرأة كذلك يعود اليها الفضل الأول في بناء مجتمعات الأرض.

ترى هل اختلفت شخصية امرأة اليوم عن شخصية جدتها في الأمس؟ هل فقدت الأدوات السحرية التي كانت تستخدمها جدتها مع الرجل، أم ان رجل الحاضر مغاير لرجل الماضي؟ هل ساهمت حقاً المدنية والتقدم والماديات في ذبول العواطف البشرية، حيث اضحت هي اللغة السائدة في تعامل الأفراد مع بعضهم البعض؟ في احدى الحلقات النسائية، تطرق الحديث عن احداهن، التي طلقها زوجها بعد خمسة وعشرين عاماً، وكن جميعاً ناقمات على هذا الرجل، الذي جحد بعشرة السنين، ورمى بزوجته الى الشارع بعد ان أفنت زهرة شبابها معه، مبرراً قراره بأنه وصل الى مرحلة القرف، وانه لم يعد قادراً على تحملها، خاصة ان الأولاد ذهبوا كل في طريقه! احداهن نعتت الرجال بأنهم جميعاً تجري في عروقهم الخيانة، وانهم دائمو البحث عن متعهم الذاتية، وأخرى علّقت بأنهم ينسون سريعاً تضحيات المرأة، وقالت ثالثة ان الرجل مثل شهريار سرعان ما يقطع رقبة المرأة التي انتهت صلاحيتها عنده. تذكرت هذه التعليقات وانا اقرأ حادثة الطبيب العربي الذي قتل زوجته الأجنبية، والتي قررت تركه من اجل عشيقه، بعد زواج عشرين عاماً، مما جعله يفقد صوابه، ويقدم على قتلها، وهذا ما يؤكد النظرية المتداولة، ان الدنيا لها شؤون وأحوال، وان هناك نسوة ايضا يركضن خلف اهوائهن، مما يجعل من الصعب تعميم الرؤية في قضية الرجل والمرأة، وهناك بين طيات كتب التاريخ، وداخل المجتمعات قصص عديدة، لرجال تفانوا من اجل اسعاد أسرهم، وازواج وقفوا بجانب زوجاتهم ليكون لهن دور فعّال داخل مجتمعاتهم. لكن هذا لا يعني ان الكفتين راجحتان! في رأيي ان المرأة نادراً ما ترمي بظاهر يدها أسرتها من اجل بناء حياة أخرى، كونها بحكم تركيبتها الأنثوية عاطفية، شديدة الالتصاق بالرجل الذي تحبه، بداخلها نزعة قوية للاستقرار والانتماء لرجل واحد، بعكس الرجل الذي بحكم تركيبته الذكورية يهوى التغيير والتجديد.

وقد اثبتت دراسة أجريت مؤخراً في فرنسا ان المرأة المتزوجة تحب الغزل مقارنة بالنساء الأخريات، وانها تشتاق لسماعه كثيراً من الزوج، لتؤكد لنفسها انها ما زالت جذابة ومرغوبة منه. وهناك كتاب ظهر مؤخراً في فرنسا يُشجّع العودة للعبة الأجداد، حيث كان الرجال يحتفظون بمحبوباتهم من خلال الاطراء والكلمات الناعمة. هناك من يعتقد ان التكنولوجيا ساهمت في ارتفاع نسب الطلاق في العالم العربي، ففي العديد من دول الخليج، أدى اكتشاف بعض الزوجات رسائل غرامية مبعوثة لأزواجهم عبر الجوال، وعن طريق الانترنت، الى مطالبتهم بالطلاق بعد ثبوت دليل الخيانة. ولكن السؤال المطروح دوماً على طاولة المفاوضات الأسرية، هل القضية بالفعل تدور حول امساك دليل الاتهام، أم ان القضية تتجاوز هذا الفعل بوجوب التحري حول ماهية الأسباب الحقيقية لهذا الجفاء الفكري والعاطفي بين الرجل والمرة، والذي يدفعهما في النهاية الى اغلاق كل منهما بابه على نفسه؟ بلا شك هناك ثغرات مفتوحة من الصعب على أي اخصائي اجتماعي فهم اعماقها، فكل تربة تختلف طينتها عن الأخرى، وكذلك اصناف البشر نساء ورجالاً يتباينون كل حسب شخصيته وتربيته التي نشأ عليها، والقيم والمثل التي تشربها على مدار حياته، والتجارب المريرة التي تعرض لها ومدى تأثيرها عليه في تعامله مع الجنس الآخر. المرأة والرجل شراعان معلقان في مركب واحد، قد ينكسر يوماً احدهما وهو يعبّ في وسط البحر والسؤال: هل من الممكن ان يصمد المركب، ويقاوم لجج اليم، بالسير بشراع واحد حتى يصل الى شاطئ الأمان؟ أم يستسلم لنهايته المحتومة بالغرق في قاعه؟ هناك مناطق عازلة في حياة كل انسان، قد ينجح الرجل والمرأة في الوصول الى هذه المساحة الغامضة ويفك طلاسمها، ويتأبط كل منهما ذراع الآخر الى نهاية العمر. ان الشعار الذي ينادي به الأقوياء بأن البقاء للأقوى يمكن التعامل به بين وحوش الغاب وفي ساحات المعارك، أما تحت أسقف البيوت وداخل الغرف، فهناك كلمة سر لعبور المناطق المحظورة. فن لا يحتاج لأبجد هوز، وإنما يحتاج للغة اسمى واعمق.. لغة القلوب المتفانية.