الحديث بلغتين

TT

صديق اتصل محتجا لأننا نشرنا تصريحا لرئيسه مترجما عن صحيفة اميركية، وعندما سألته إن كان الكلام المنسوب اليه غير صحيح اجاب كلا لكن الحديث كان موجها بلغة تناسب الجانب الاميركي. وهناك قصة مشابهة ضبطتها لمنظمة في الولايات المتحدة توزع علينا اخبار بطولاتها هناك ومرة وردتني، مثلما ترد غيري، رسالة الكترونية بلغتين عربية وانجليزية. في النص العربي شرحت فيها المنظمة كيف انها تصدت لناشر كتاب وانها طلبت ايقافه وهددته بالويل والثبور وانها حققت نجاحا في ذلك. ولسوء حظ فاعلها فان الموظف الذي ينسق بين القراء العرب والقراء الانجليز ارفق النصين معا في نفس الرسالة. فجاء في البيان المكتوب بالانجليزية ان المنظمة لاحظت وجود تحامل غير مقبول في الكتاب وانها سعت لدى الناشر ترجوه ان يعيد قراءته فقط لا غير.

ولا تثريب على المسؤول الذي قلق من ترجمة ما قيل للقراء الاميركيين الذين اعتادوا على خطاب مختلف ايضا لا بأس على اخواننا اصحاب بطولات المنظمة بلغتيها، المتوعدة للغربيين بلغة عربية ثائرة والمؤدبة بلغة انجليزية مهذبة، فهذه هي الحال في مجتمع الكلام العربي. السياسيون يقولون كلاما في العلن وآخر في السر حول كثير من القضايا التي نعيش معها عمرنا كله. وما حدث في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الاربعاء الماضي الا دليل آخر على هذا الخوف من البوح بالصحيح جهارا. القسم الأكبر من الوزراء المشاركين طالبوا ان تغلق الأبواب، فلا ينقل على لسانهم شيء يفضلون ان يظل سرا، أين الخوف عندما يقف وزير فيقول الصحيح ان مسألة المقاطعة تضر باقتصاد بلده وتقدم القليل للقضية الفلسطينية مثلا، هذا اذا كان ذلك هو رأي حكومته؟ ان الحكومات مطالبة بأن تتبنى مواقف ليست شعبية دائما لأن مصالح البلاد ليست متروكة لحكم العامة عليها ولو انساقت الحكومات وراء رأي الشارع في كل ازمة تقع لما توقفت الحروب. «الغموض الايجابي» و«الكذب الوقائي» ظاهرة ليست قاصرة على وزراء الخارجية والسياسيين والنشطين الحزبيين بل مزروعة ومترسخة في كل اركان المستطيل العربي الطويل من الماء الى الماء. الصحافيون والمذيعون والباحثون تسمعهم يقولون في مجالسهم كلاما وتقرأ لهم في العلن كلاما آخر. حتى اساتذة الجامعات تسمع منهم في بيوتهم غير ما يدرسونه لتلاميذهم، كل يخاف ان يتحدث عن رأيه في قضايا سياسية عامة مثل موضوعات الصراع العربي مع اسرائيل. هذا الخوف ليس من الشرطة بل من الرأي العام الذي تحول الى بعبع يتجنب السياسيون والمفكرون مواجهته. لنا تاريخ طويل محفوف بالتستر على آرائنا التي لا يعيبنا الجهر بها، ولا يحرم علينا التفكير فيها، ولا تمس قيما ولا مقدسات، بل هي طروحات تناقش اوضاعا عامة.