هل تكون تركيا الحليف الجديد لإيران؟

TT

زار موسكو، وتحدث أمام البرلمان الباكستاني، وتوجه إلى إيران لمحادثات مكثفة تستمر يومين بانتظار أن يصل إلى واشنطن في السابع من كانون الأول (ديسمبر) المقبل تلبية لدعوة من الرئيس الأميركي باراك أوباما.

هل يعني كل هذا أن تركيا دخلت بقوة على خط حل الأزمة الإيرانية، خصوصا بعدما دعم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان «صديقنا» الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، نافيا عن إيران «تهمة» التطلع لتصبح دولة نووية كما «يزعم» الغرب؟

في هذه الأثناء أعلن مفتشو الوكالة الدولية للطاقة النووية أنهم ينوون العودة في زيارة ثانية إلى إيران لمواصلة الاطلاع على منشأة قم.

عندما وصلوا في نهاية الأسبوع الماضي إلى إيران، في زيارتهم الأولى المتفق عليها، قال رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني: «إن الغرب يحاول أن يخدع إيران، وينتزع منها مخزونها من اليورانيوم المخصب».

يوم الاثنين الماضي، قال وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي، إن إيران «قد تعلن» في الأيام المقبلة عن موافقتها على اتفاق فيينا مع إمكان أن تقترح إدخال تعديلات عليه تتعلق بكمية اليورانيوم التي من المفترض أن ترسلها إلى الخارج لتعاد إليها مخصبة بدرجة أعلى.

هناك مناورة إيرانية في هذه المواقف. من جهة، تريد إيران أن تحتفظ باليورانيوم المخصب وتشتري في الوقت نفسه الوقود النووي من الخارج، وهذا يعني أن تحقق كل ما تريده، فتنسف هدف الغرب بإخراج ما يستطيع من اليورانيوم المخصب من إيران.

ومن جهة أخرى، تلمح إيران إلى استعدادها لشحن بعض من اليورانيوم المخصب، لأنها لا تحتاج إلى المزيد، وتبدأ بالتالي «البازار» مع الغرب حول كمية اليورانيوم المخصب المفترض أن ترسلها إلى الخارج )كما قال متكي)، وذلك من أجل تمديد فترة المفاوضات.

كل هذا في وقت تسمح بتفتيش دولي محدود، بعدما تسنى لها خلال فترة شهر، منذ الإعلان عن منشأة قم حتى مجيء المفتشين، تهريب أو إخفاء ما لا تريد كشفه للعالم. ولا يبدو عليها أنها تأخذ في عين الاعتبار التهديدات بفرض عقوبات صارمة أو احتمال ضربة عسكرية استباقية تقوم بها إسرائيل كما حذر وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في حديثه يوم الثلاثاء الماضي إلى صحيفة «الدايلي تلغراف».

لكن، يسود اعتقاد بأن منشأة قم هي لدعم مفاعل «ناتانز» في حال تعرضه لهجوم عسكري. ويعتقد الغرب بأن إيران يمكنها أن تهرب اليورانيوم المنخفض التخصيب من «ناتانز» ووضعه في «قم»، حيث يمكن أن تخصبه إلى درجة كافية لتطوير القنبلة النووية.

هنا جاء الدخول التركي. فهل تستطيع تركيا أن تكون الحليف الجديد الذي تنتظره إيران أو أن رجب طيب أردوغان سيكون هوغو شافيز منطقة الشرق الأوسط؟

يقول لي مصدر غربي: «كلا. تحاول تركيا أن تلعب لعبة توازن معقدة جدا. فبالنسبة إلى إيران، فإنها (تركيا) تراقب كل التوتر الذي يتنامى في ملعبها الخلفي، ولا تريد إطلاقا صراعاً عسكريا في الخليج، بل تريد أن تكسب ثقة إيران قدر ما تستطيع».

يعرف أردوغان أن الأمور لا تبدو مشجعة. فإيران أرجأت تقديم ردها يوم الجمعة الماضي، وليس مفاجئا أن عددا من الشخصيات الإيرانية منزعج من فكرة السماح لهذا الجهد الإيراني بالخروج من بين أيديهم إلى دول أخرى مثل روسيا وفرنسا. إذ، لا ثقة مع هاتين الدولتين، فقط مصلحة اضطرارية مع روسيا.

قد يكون أهم ما يدركه أردوغان، أن الغرب يريد استمرار المفاوضات، لأنه بمجرد أن يعلن عن انتهاء العملية الديبلوماسية، فان البديل غير مشجع، إن كان تشديد الحصار، أو الضربة العسكرية. ثم إن واشنطن لن تعلن عن انتهاء المفاوضات إلا إذا اضطرت، وكان الرئيس أوباما أعطى مهلة حتى شهر كانون الأول (ديسمبر) كي تعطي المفاوضات ثمارها.

إطلالة تركيا قد تكون بنظر إيران وسيلة إضافية لسياسة المماطلة التي تتبعها في المفاوضات، ولن تتردد في إخضاع تركيا لامتحان نوايا.

في الفترة الأخيرة تضاعفت طموحات تركيا، لذلك لا تريد أن تنهار المفاوضات وترجح كفة الصراع العسكري بين إيران وإسرائيل، كما حذر الوزير كوشنير.

تجد أنقرة أن خطها في تصاعد. فهي مستعدة أن تملأ الفراغ الذي ستتركه أميركا في العراق، ثم إنها عادت تكسب ثقة العالمين العربي والإسلامي مع ما سيسفر عن ذلك من صفقات طاقة، وتحالفات سياسية، وآخر ما ترغب به أن يشب حريق في الشرق الأوسط يخفف من خططها التوسعية، لذلك طرحت نفسها وسيطا ما بين إيران والولايات المتحدة.

لكن، هل ستتغير إيران لأن تركيا دخلت على الخط؟ طهران لا تريد في النهاية المساومة على برنامجها النووي، تريد إطالة المناورة، ثم إنها لا تثق بتركيا وعلاقتها الوثيقة بالولايات المتحدة، وهناك احتمال أن تلجأ الدول المعادية لإيران لاستعمال المجال الجوي التركي في أي ضربة عسكرية ، كما أن تركيا وإيران دولتان تتنافسان في المنطقة على النفوذ.

قبل توجهه إلى إيران، أجرى أردوغان محادثات سياسية وعسكرية في إسلام آباد لتهدئة التوتر بين إسلام آباد وطهران، الذي نشب إثر عملية «جند الله» الإرهابية في بلوشستان إيران التي قضت على قادة كبار في الحرس الثوري الإيراني.

وقبل ذلك أيضا لم تتردد تركيا في انتقاد إسرائيل علنا لأعمالها العسكرية ضد الفلسطينيين في غزة، ودافعت عن «حماس». لم يكن ذلك فقط لنشر نفوذها وسمعتها لدى الشعوب العربية والإسلامية، إنما لتظهر لطهران أنه يمكنها أن تثق بأنقرة التي تستطيع أن تقف بوجه إسرائيل إذا ما حاولت أن تقدم على عمل عسكري ضد إيران. تركيا ألغت مناورات كانت ستشارك بها إسرائيل، لكن أردوغان في حديثه إلى صحيفة «الغارديان» يوم الاثنين الماضي أكد أن الاتفاق الاستراتيجي بين تركيا وإسرائيل لا يزال سليما وقائما، وأنه وبخ وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان لأنه هدد باستعمال النووي ضد أهالي غزة.

من هنا، يبقى الحذر الإيراني من تركيا، لكن طهران سترى ما يمكن لتركيا أن تقدمه إضافة إلى وساطتها. وقد يكون الأبرز هو ما إذا كانت أنقرة لا تزال ملتزمة الاتفاق الذي وقعته عام 2007 بقيمة 3.5 مليار دولار، وتقوم بموجبه شركة النفط التركية بإنتاج 20.4 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي من حقل غاز «بارس الجنوبي الإيراني». وبسبب التوتر الدولي الذي يحيط بإيران، فان تطوير ذلك الحقل تأخر، وإيران تواقة كي تبرهن بأن هناك عدة مستثمرين على استعداد لتحدي القرارات الدولية والمقاطعة وأن ينفقوا الأموال في حقل الطاقة الإيراني. وزير الطاقة التركي في عداد الوفد الحكومي، لكن هل تستطيع تركيا تحدي الولايات المتحدة والمجتمع الدولي وتمضي قدما في تنفيذ تلك الصفقة؟

أميركا نفسها صارت تنظر إلى الخطوات التركية بحذر، إن من حيث الموقف من إسرائيل أو من حيث التقرب من روسيا، ولأن أنقرة تريد أن تقوم بدور الوسيط الجديد بين واشنطن وطهران، خففت من جرعة تحديها لأميركا، إذ عندما وجه الرئيس أوباما الدعوة إلى أردوغان لزيارة واشنطن، رد مكتب الأخير، بأنه يفكر بالتوجه إلى هناك في 27 الجاري، مباشرة من طهران.

في كل هذه الاتصالات والمناورات والوساطات قد تتعرض تركيا لخطر أن تفقد ثقة العديد من الدول، بجهودها المتنوعة.

الآن، إذا نجحت تركيا في وساطتها مع إيران، فقد يمهد هذا، الطريق واسعا لاستئناف وساطتها بين سوريا وإسرائيل.

وبسبب الغياب العربي المخيف عن ساحة هذه التحركات، وكأن العرب غير معنيين، فهل يكون التحرك التركي بداية بروز المحور التركي ـ الإيراني ـ الإسرائيلي.

الأسبوع الماضي قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن علاقات ديبلوماسية ما بين طهران وتل أبيب أمر حتمي.