شعور بالضيق في أوروبا بشأن أفغانستان

TT

في الوقت الذي يتناقش فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما ومجلس الأمن القومي في سرية حول ما إذا كان سيتم إرسال عشرات الآلاف من القوات إلى الحرب، يراقب حلفاء أميركا الأوروبيون في مزيج من القلق والضيق. وهم يعرفون أنه إذا حدث تقدم في نشر القوات، فسيطلب منهم أن يقوموا بإسهاماتهم الصعبة والمكلفة سياسيا في إرسال جنود. ولكنهم أيضا أكثر قلقا من أن يختار الرئيس استراتيجية غير فعالة لما يعتبرونه مهمة حرجة. وهم محبطون من أن عليهم المراقبة والانتظار، والانتظار طويلا، حتى يتخذ الرئيس قرارا.

ويشكو قائد رفيع المستوى في أحد الجيوش الأوروبية قائلا: «الجميع ينتظر ما سيتم إقراره في المكتب البيضاوي، من دون أي فرصة لأن يكون لنا رأي».

لا، يا لجنة نوبل النرويجية، هذا ليس جورج دبليو بوش، ولكنه باراك أوباما، الرئيس الذي تم تكريمه لترحيبه بالتعاون المنسجم مع بقية العالم. ومن العدل القول إن أوباما حاول بصورة أقوى من بوش تنسيق السياسات مع حلفاء الولايات المتحدة. ولكن تؤكد المداولات التي يجريها حول أفغانستان كيف لا تتغير بعض مبادئ القوة العظمى مطلقا.

على سبيل المثال، عندما ترسل 70 في المائة من القوات للحرب وتقوم بـ90 في المائة من أعمال القتال، ربما يكون على حلفائك أن ينتظروا حتى تقرر ما إذا كنت ستزيد عدد القوات، أو تتركها ثابتة، أو ستنسف استراتيجيتك.

وربما ينتظر الحلفاء، سيشعرون بالقلق. وفي حوارات مع مسؤولين أوروبيين رفيعي المستوى كانوا في زيارة إلى واشنطن، وفي مؤتمر عابر للمحيط الأطلسي تحت رعاية مؤسسة «ماغنا كارتا» الإيطالية، سمعت ما يكفي من القلق الأوروبي بشأن مراجعة الاستراتيجية التي يقوم بها أوباما. وتدور بعض المخاوف ببساطة حول مشهد رئيس أميركي شاب متردد بشأن الاستمرار في استراتيجية ألزم ذاته بها منذ عدة أشهر فقط، وما التأثير الممكن لذلك التذبذب على الأعداء في أفغانستان وما أبعد منها. ولكن كان المفاجئ في ذلك الشعور بالقلق، باعتباره قاريا، هو أن جزءا منه يهتم بما إذا كان أوباما قويا بما يكفي، وما إذا كان، على حد قول أحد السفراء، «سيتخلى عن مهمة ألزمنا أنفسنا جميعا بها».

لقد اقتنعت الحكومات الأوروبية بخطة أوباما الطموحة لتهدئة الأوضاع في أفغانستان عندما عرضها في شهر مارس (آذار). وعلى النقيض من الرئيس الأميركي، لم تعد التفكير في قرارها إلى حد كبير. ووافقت على التوصيات التي قدمها القائد الذي عينه أوباما، الجنرال ستانلي ماكريستال، والذي يقول إنه إذا لم تكسر شوكة طالبان في العام المقبل، فربما نخسر الحرب.

ومن الصعب على القادة الأوروبيين القول إن أوباما يجب أن يرسل تعزيزات قدرها 40.000 جندي أو أكثر كما يطلب ماكريستال، حيث إنه سيصاحبهم على أفضل تقدير من 2.000 إلى 3.000 أوروبي على الأقل. لذا فهم يميلون إلى التركيز على النصف الآخر من المعادلة: لماذا لا يمكن للغرب التخلي عن محاولة تحقيق الاستقرار في أفغانستان في ظل حكومة معتدلة.

وقال الأمين العام لحلف الناتو أندرس فوغ راسموسن في زيارة قام بها مؤخرا إلى واشنطن: «نحتاج إلى تشكيل حكومة مستقرة في أفغانستان، يمكننا أن نتعامل معها. وبخلاف ذلك، سنواجه عدم استقرار دائم في أفغانستان وفي المنطقة».

ويشعر راسموسن وأوروبيون آخرون بالسعادة للحديث علنا ضد الاستراتيجية التي ترجع في بعض الأحيان لنائب الرئيس بايدن، والتي تركز بموجبها الولايات المتحدة على عمليات مكافحة الإرهاب ضد «القاعدة» عن طريق طائرات تجسس أو قوات خاصة. وصرح وزير الخارجية السويدي كارل بيلدت، الذي تمثل بلاده حاليا الاتحاد الأوروبي: «لماذا لا توجد هجمات بطائرات بريداتور على بيشاور أو كويته؟ لأنه لا يمكن القيام بها. ولكننا نعرف أن زعماء القاعدة وطالبان مختبئون في تلك المناطق الحضرية. وأنا لا أستطيع أن أرى تلك الاستراتيجية قابلة للتطبيق».

وقد قامت بريطانيا، بطبيعة الحال، بأكثر من محاولة مباشرة للتأثير على الخلاف في واشنطن. وأعلن مؤخرا رئيس الوزراء غوردن براون أنه سيرسل 500 جندي إضافي إلى قوات بريطانيا البالغ عددها 9.000 وذلك في خطوة لن يكون لها أهمية إذا كانت الولايات المتحدة ستقلل من مساهمتها في الحرب. ولم يترك رئيس أركان الدفاع البريطاني مجالا للشك في موقف الجيش البريطاني، حيث قال مارشال القوات الجوية سير جوك ستيراب: «لا أريد أن أنقل كلاما على لسان الأميركيين، ولكني واثق جيدا من الصورة التي سيتحقق بها الأمر»، مضيفا أنه اتفق «تقريبا مع كل ما ورد في تقرير ماكريستال».

وفي الحقيقة، يقول مسؤولو الإدارة إن الرئيس لم يتخذ قرارا بعد، وقالوا أيضا إنه «لا يجد مشكلة في إعلان براون. وحتى الآن، يبدو لي أن النتيجة الأكثر احتمالا للخلاف الداخلي هي قرار إرسال بعض المتدربين العسكريين الإضافيين أو قوات أخرى، ولكن ليس القوات القتالية الكاملة التي يريدها ماكريستال».

وإذا كان ذلك قراره، سيكون على أوباما إنجاز بعض العمل مع حلفائه. وقال سفير آخر: «بمجرد اتخاذ قرار، سيجب على أوباما الاتصال مباشرة بنظرائه الأوروبيين. فسيحتاجون إلى الكثير من الإقناع».

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»