اكتفاء ذاتي.. تجربة «أشرف»

TT

قد انتهت، ولو بشكل مؤقت، محنة ومعاناة آلام المجاهدين الستة والثلاثين الذين تم اختطافهم من قبل القوات العراقية في يومي الثامن والتاسع والعشرين من يوليو (تموز) الماضي، وكذلك آلام الكثيرين ممن أضربوا عن الطعام من سكان «أشرف» ومن أنصار «مجاهدي خلق» في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الدول الأوروبية المحتجزين الذين خرجوا من السجن وعادوا إلى «أشرف»، أي إلى معقل «مجاهدي خلق» في العراق، بعد اثنين وسبعين يوما من الإضراب عن الطعام منها الأيام السبعة الأخيرة إضراب تام عن الأكل والشرب.

كيف حصل ذلك؟

إنهم ومنذ اليوم الأول أضربوا عن الطعام وعاهدوا بعضهم بعضا بأن يبقوا أوفياء لقضيتهم فكان العهد عهد الرجال المخلصين وعهد من ينكر ذاته من أجل قضيته.

فجاءت جميع النشاطات السياسية والإنسانية سواء داخل العراق أو في مختلف الدول وفي منظمة الأمم المتحدة وغيرها للتعاضد مع هذا العهد.

سمعت أن هؤلاء المحتجزين كانوا جرحى من جراء الطلقات النارية أو ضربات الهراوات والقضبان الحديدية وغيرها، لكن الأوجاع والآلام لم تمنعهم من التمسك بقضيتهم والثبات على موقفهم.

وإذا وجهنا سؤالا لمن قرر احتجاز 36 شخصا من بين حوالي 3400 شخص، أي حوالي واحد بالمائة من سكان «أشرف»، وما هو السبب وراء هذا القرار، لا أعرف ما ذا سيكون الرد. لكننا يمكننا أن نقول بأن من قرر الهجوم على «أشرف» لم يستطع التقدم بخطته للسيطرة التامة على هذا المعسكر، بسبب صمود سكانه بجسمهم ولحمهم وعظمهم وأيديهم الفارغة ورؤوسهم المليئة بالدماء و.. فقرر أن يعوض بأن يفعل بهم ما يستطيع فعله، أي أن يعتقل من كان باستطاعته اعتقاله. لكن هذا الجواب لا ينسجم مع الواقع. لماذا؟ لأن بعض المحتجزين تم احتجازهم في الساعات الأولى من الهجوم وحتى بعضا منهم قبل بداية الهجوم، أي في وقت لم يحسم فيه الأمر في ما يتعلق بمصير المعسكر. لذا اعتقدت بأن احتجاز عدد من السكان كان ضمن الخطة المبرمجة مسبقا ومنذ البداية. وكانوا يريدون كسر عظم إرادتهم، وجعلهم يرضخون للمطالب التي كانوا بصدد تحقيقها ضد رفاقهم في المعسكر. ولو كانوا نجحوا في تطبيق هذه الخطة فلا شك أنهم كانوا سيقومون بتكرار هذه التجربة بدفعات على الآخرين من سكان «أشرف».

ولا شك أن هذه الخطة كانت ضمن خطوات بدأ العراقيون بتطبيقها بناء على ما جاء في تصريحات زعيم النظام الإيراني علي خامنئي في 28 فبراير (شباط) من هذا العام في لقائه مع الرئيس العراقي السيد جلال الطالباني وخطاب له ولرئيس وزراء العراق السيد نوري المالكي، حيث طلب منهما بكل إلحاح تطبيق «الاتفاق الثنائي» بشأن طرد «مجاهدي خلق» من العراق.

لكن بعد الصمود الذي أبداه هؤلاء الرهائن السـتة والثلاثون فإن رفاقهم في «أشرف» أولا، وبعد ذلك أصدقاءهم وأنصارهم وسط الإيرانيين المغتربين في مختلف الدول لحقوا بهم وأعلنوا الإضراب عن الطعام. بعد ذلك بدأت النشاطات السياسية والإعلامية. حيث إن عوائل سكان «أشرف» في مختلف الدول الغربية والعربية وجميع الهيئات والمنظمات الدولية والإنسانية طرقوا جميع الأبواب مطالبين بتدخل الدول والحكومات والهيئات الدولية لمنع وقوع كارثة إنسانية بشأن هؤلاء المحتجزين.

ومع أنني شخصيا شاركت في بعض اللقاءات والاجتماعات بهذا الشأن وتابعت ما حدث في هذا المجال أولا بأول، لكنني لا أستطيع أن أحصي هذه النشاطات بسبب كمها الهائل. لكنني أستطيع أن أقول مثلا بأن «منظمة العفو الدولية» أصدرت حوالي عشرين بيانا في هذا المجال، كما أن منظمة «هيومن رايتس واتش» و«المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب» و«الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان» و«جمعية مكافحة العنصرية» و.. غيرها من المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان في العالم أصدرت عدة بيانات.

كما أن كبار الشخصيات الدينية ـ السياسية من أمثال كبير الكنيسة الأنجليكانية الدكتور روان ويليامس، ورئيس أساقفة جنوب أفريقيا الأسقف ديزموند توتو، وكبير أساقفة التشيك الكاردينال ويلوسلاو ولك، الذي كان من مرشحي المنصب البابوي في الانتخابات الأخيرة، و.. غيرهم، أصدروا بيانات قوية جدا في تأييد قضية «أشرف».

كما أن شخصيات إسلامية في مختلف البلدان أيدت هذه القضية ومنهم الشيخ تيسير التميمي، حيث صرح بأن ممارسات القوات العراقية ضد «مجاهدي خلق» المحتجزين تشبه تماما ما تفعله إسرائيل بأبناء الشعب الفلسطيني في المعتقلات.

وجاءت شخصيات عراقية أصيلة أيضا إلى الساحة ليعبروا عن تضامنهم مع سكان «أشرف» وتأييدهم. وأقصد هنا شخصيات من أمثال الدكتور طارق الهاشمي والدكتور إياد علاوي والدكتور صالح المطلق وغيرهم وأكثر من خمسين نائبا من البرلمان العراقي.

ولا أتكلم عن أكثر من ألفين من نواب البرلمانات الأوروبية ونواب الكونغرس الأمريكي وآلاف من رجال القانون في مختلف الدول وغيرهم.

لكن الموضوع المطروح أولا وأخيرا هو أن الأساس وحجر الزاوية في هذه الحملة الكبيرة كان صمود 36 من «مجاهدي خلق» الذين كانوا في السجن. إنهم ثابروا وبقوا على العهد حتى الموت في سبيل قضيتهم. وهنا جاء نصر الله. نعم هنا تكللت جميع هذه النشاطات بالنجاح وأثمرت بشكل لم يكن يتوقعه كثيرون.

واسمحوا لي أن أوجه نداء إلى إخواننا في مختلف الدول العربية والإسلامية بأن عليهم القيام بالدفاع عن قضية «أشرف»، لأن قضية «أشرف» ليست قضية ثلاثة آلاف وأربعمائة شخص من «مجاهدي خلق» الذين يسكنون هناك فقط، بل يمكنني القول بأنها تعد خلاصة قضية إيران. إنهم يمثلون إرادة شعب تواق للحرية والديمقراطية والخلاص. فكما أن أبناء هذا الشعب جاءوا إلى شوارع طهران والمدن الأخرى ليعبروا عن الإرادة الشعبية الحية وهناك نماذج من أمثال «ندى» التي أثبتت هذه الإرادة بدمها وبنظرتها الأخيرة، فإن سكان «أشرف» أيضا، وبشكل خاص الستة والثلاثين أيضا أثبتوا ذلك من خلال إرادة لا تلين بأن الشعب الإيراني لن يتراجع عن طموحاته التاريخية الأساسية المتمثلة في الحرية والديمقراطية.

ومن هنا أريد أن أهيب بالعالمين العربي والإسلامي استخلاص العبرة والدرس من هذه التجربة الغنية. هذه التجربة تقول بأن علينا أن نعتمد على قدراتنا الذاتية، وإذا كان هناك طريق لحل المشاكل الجمة التي أحاطت بنا فإن هذا الحل يمر دون أدنى شك من خلال الاعتماد على الذات والاكتفاء الذاتي.

*رئيس الوزراء الجزائري الأسبق ورئيس اللجنة العربية الإسلامية للدفاع عن «أشرف».