يستحقها

TT

إذا كانت السياسة هي فن الممكن فإن الدبلوماسية الدولية هي أهم أدوات صناعة ذلك الأمر. وفي العالم العربي هناك أمثلة مختلفة للنجاحات الدبلوماسية والتميز والإبداع فيها ليس جميعا على نفس الدرجة، ولكن تستحق التذكر والإشادة. وفي السعودية هناك شخصية تنال قدرا هائلا من التقدير والاحترام في هذا الإطار، وحققت النجاحات ما يتعدى حدود البلاد وتحول إلى قصة نجاح وأيقونة دبلوماسية عربية وبامتياز. والشخص الذي أتحدث عنه هنا هو الشيخ جميل الحجيلان أمد الله في عمره، تذكرت ذلك وأنا أقرأ باحترام وشغف كبير آخر مقالاته في هذه الصحيفة عن تركيا وتاريخها بأسلوب سهل وممتع عميق وثري غزير وراق، وهو في ما كتب يقدم رؤية الكبار وحكمة العاقل في التعاطي مع الأحداث، لن أضيف الجديد حين التحدث عن أخلاق وأدب الشيخ جميل الحجيلان فهو حديث المحب لأن تلك المسألة يجمع عليها كل من عرف الرجل وتعرف على خصاله الكريمة، ولكني هنا أود التركيز على سمة أعتقد أنها تستحق الوقوف والتمعن وهي أن أي نجاحات تدون في السيرة الذاتية للناجحين تبقى ناقصة وغير متممة، إذا لم يصاحب ذلك الإنجاز الأخلاقي والتميز في ذلك، لأن الشهادات تباع وتشترى والوساطات باتت طرق الكثيرين للوصول إلى المناصب، ولكن تبقى السيرة الأخلاقية هي التي تميز صاحبها بشكل فارق ودقيق.

ولعل إحدى أهم الخصال التي يتمتع بها هذا الرجل الكريم هي قدرته على الحوار برقي وأدب والتواصل مع كافة الأجيال بتقدير واحترام وإيصال أي رسالة بشكل مقنع وفعال دون إقلال من قيمة أحد ولا إنقاص من قدر شيء، وتلك لعمري هي المعادلة الأصعب. هناك علم مخلوط بفن يطلق عليه مدرسة السياسة العامة وعرف ذلك من خلال الإشادة بأداء شخصيات كبيرة وأدت مهمتها بنجاح كبير واعترفت مجتمعاتهم بذلك لتطلق على كليات متخصصة أسماءهم أو على برامج أكاديمية وتدريبية ذات المسمى، ولعل المثال الأشهر لما أعني وأرغب في توضيحه هو كلية جون كنيدي للسياسة العامة في جامعة هارفرد العريقة بمدينة بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية وكلية محمد بن راشد آل مكتوم للإدارة الحكومية بدبي. ومع كثرة الحديث عن دور الدبلوماسية السعودية المتزايدة والرغبة في تطوير الأداء الحكومي والانفتاح على ثقافة وفكر الحوار أجد الشيخ جميل الحجيلان مثالا ناجحا جدا لكل هذه الأدوار فهو كان سفيرا مميزا للغاية في أدواره المختلفة سواء في الكويت كأول سفير سعودي بعد استقلال الكويت أو في فرنسا والذي كان له دور محوري في بناء علاقات مميزة للغاية بعد أن كانت العلاقات السعودية مع الغرب تتركز مع الولايات المتحدة وبريطانيا بشكل أساسي وأبلى بلاء مميزا إبان ترؤسه لوزارة الإعلام ليؤسس فكرا جديدا للإعلام السعودي ويبحر به كالربان الماهر وسط أمواج عاتية، وكذلك كانت فترة ترؤسه لأمانة مجلس التعاون الخليجي فهو حيد المنصب من عواصف الخلافات البينية وكانت «أمانته» عنصرا داعما لاستقرار المجلس دون أي سلبيات تُذكر على الرغم من أن المناخ السياسي كان ملبدا بغيوم الخلافات وعواصف الاختلاف. واليوم مع وجود الانتشار الكمي والنوعي للجامعات السعودية الكبرى والطموحة وجميعها تتسابق لنيل مجد تحسين ترتيبها في تقييمات وتصنيفات عالمية مختلفة أجد نفسي مضطرا إلى إطلاق صيحة تكريم آن أوانها بحق «مواطن» سعودي تفتخر به بلاده، وكان لها أنموذجا مشرفا وقدوة تستحق الإبراز للأجيال اللاحقة، وكل الأمل أن يتبوأ اسم الشيخ جميل الحجيلان على كلية أساسية بإحدى الجامعات السعودية الرائدة في مجالات الخدمة العامة أو السياسة العامة أو الدبلوماسية الدولية أو الإعلام والاتصال وهي المجالات التي شهدت خدمة الشيخ جميل الحجيلان بنجاح ورقي. ذاكرة الأمم يجب أن لا يطالها زهايمر الجحود ولا خرف النكران، ولكن يجب دوما تنشيطها بفيتامينات الوفاء ومقويات رد الجميل. المطالبة بتكريم الشيخ جميل الحجيلان (وغيره من الرجال المخلصين) هي ليست أمنية ورغبة، ولكنها مطلب أخلاقي في المقام الأول في زمن اختلطت فيه القيم والمعاني. بالنيابة عن أجيال أتت بعده.. كلمة في الختام وانحناءة احترام.. جميل الحجيلان شكرا ولك كل الاحترام.

[email protected]