كيف تبيعك إيران البساط الذي لا ترغبه

TT

اشتهر أحد أبرز الممثلين الكوميديين الإيرانيين، أرهام صدر، بمشهد فكاهي تدور أحداثه داخل أحد بازارات مدينة أصفهان، حيث يدخل سائح غربي أحد المحال لشراء سجادة معروضة في الواجهة أعجبت زوجته.

إلا أن تاجر البسط لا يود بيع السجادة إلى السائح. لذا، يعرض عليه مجموعة متنوعة من البسط الأخرى، مثنيا على كل واحدة منها، بينما يوجه انتقادات شديدة للأخرى التي تروق للسائح. وينتهي الحال بالسائح بشرائه سجادة لا يرغبها ولا تروق له. وأثناء احتسائه الشاي في نهاية الصفقة يتركز تفكيره حول كيف يمكنه تبرير شرائه هذه السجادة دون الأخرى أمام زوجته.

في وقت سابق من هذا الشهر، أعيد تمثيل هذا المشهد أثناء المحادثات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدول الأعضاء الخمس في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إضافة إلى ألمانيا، وهي المجموعة التي يطلق عليها «5+1».

مثلما الحال مع السائح سالف الذكر، شاركت مجموعة «5+1» في المحادثات وفي ذهنها سجادة محددة. وقد جرت حياكة السجادة التي يرغبونها بناء على خمسة قرارات صادرة بالإجماع عن مجلس الأمن، بينها ثلاثة صدرت في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، تطالب إيران بوقف جميع نشاطات تخصيب اليورانيوم.

بيد أنه بعد أيام من المساومات، انتهى الحال بمجموعة «5+1» بالموافقة على شراء سجادة مغايرة تقوم على فكرة روسية أعلنت للمرة الأولى عام 2004 تقضي بالسماح لإيران بالمضي قدما في تخصيب اليورانيوم، لكن مع شحن 75% منه إلى الخارج للخضوع لمزيد من عمليات التخصيب بهدف استخدامه لاحقا في مفاعل بقوة 5 ميغاوات يوجد في طهران.

في الواقع، يكتنف هذه الصفقة غموض أكبر عن الأخرى الخاصة بالسائح في المشهد الفكاهي.

في بداية الأمر، تجدر الإشارة إلى أن المنشأة النووية المعنية من المقرر تفكيكها عام 2010. وتقع المنشأة في أمير آباد، وهي ضاحية مرتفعة الكثافة السكانية في طهران. أقيمت المنشأة في الخمسينات على يد الولايات المتحدة داخل ما كان حينذاك قرية تبعد عدة أميال عن قلب المدينة. ومثلما الحال مع غالبية المفاعلات النووية الأخرى، قدر العمر الزمني للمنشأة بـ38 عاما.

ونظرا لأن التشغيل الكامل كان عام 1967، فقد أكملت المنشأة دورة حياتها بالفعل. عام 2002، وقد أعلن غلام رضا أغازاده، الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية الإيرانية، إغلاق منشأة أمير آباد، لكنه وافق على الإبقاء على عملها حتى إنجاز العمل في بديلها، وهو مفاعل آخر بقوة 40 ميغاوات في آراك، غرب طهران.

(جدير بالذكر أن إيران تفتقر إلى المعرفة الملائمة التي تكفل حفظ المفاعل بعد تفكيكه، والذي حال عدم الحفاظ على بقاياه على نحو ملائم ربما يشكل مصدر تهديد للصحة العامة لقرون قادمة).

المثير أن إيران تملك وقودا لمنشأة أمير آباد يكفي حتى عام 2010، عندما يحين وقت وقفها عن العمل.

بين عامي 1967 و1980، أمدت واشنطن مفاعل أمير آباد باليورانيوم المخصب.

(في تلك الأيام الخوالي الطيبة، لم يكن لدى الولايات المتحدة أي مخاوف حيال منح إيران يورانيوم مخصبا بدرجة تصل إلى 90%، النمط الذي يمكن استخدامه في صنع سلاح نووي).

بعد عام 1980، حاولت طهران ضمان الحصول على يورانيوم مخصب من فرنسا التي استثمر الشاه بها مليار دولار في بناء أكبر منشأة لتخصيب اليورانيوم في أوروبا. إلا أن الفرنسيين رفضوا إعطاء أي شيء للنظام الإيراني الجديد، وعرضوا عليه، بدلا من ذلك، شراء حصة إيران.

بعد ذلك، أبرمت إيران اتفاقا مع الأرجنتين التي أمدتها باحتياجاتها من اليورانيوم حتى عام 1993 عندما وقع هجوم إرهابي يعتقد تورط جماعة «حزب الله» فيه في بيونس أيرس، مما أنزل ضررا فادحا بالعلاقات بين البلدين.

منذ ذلك الحين، عملت إيران على شراء اليورانيوم المخصب من السوق السوداء من دون علم الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

من جهتها، تعترف إيران بأن بحوزتها 1.5 طن من اليورانيوم المخصب بدرجة 4%. وحال تخصيب هذه الكمية لدرجة 95%، فإنها قد تثمر 25 كيلوغراما من المادة اللازمة لصنع قنبلة ذرية واحدة.

في ظل الاتفاق المقترح، سيجري تخصيب اليورانيوم منخفض الخصوبة الخاص بإيران لدرجة 19.7% من جانب روسيا، ثم يرسل إلى فرنسا لتحويله إلى قضبان وقود قبل إعادته إلى إيران.

إلا أن إيران ليست بحاجة إلى أي وقود لمفاعل من المقرر إغلاقه العام المقبل.

التساؤل الذي يفرض نفسه: هل إيران بحاجة إلى هذا اليورانيوم من أجل مفاعلها في آراك؟ مرة أخرى، الإجابة لا. يعتمد مفاعل آراك على البلوتونيوم وليس بحاجة لليورانيوم المخصب.

عند بداية هذا العام، كان لدى إيران 800 جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم. والآن، أصبح لديها 8000 جهاز على الأقل، يعمل نصفها.

ويعني ذلك أن طهران تتمتع بالفعل بالقدرة على تخصيب كمية كافية من اليورانيوم لصنع قنبلة ذرية بحجم تلك التي أسقطت على هيروشيما سنويا.

ويمكن الإسراع من وتيرة هذا الأمر من خلال تشغيل أجهزة طرد مركزي «متقدمة جديدة» التي تقول طهران إنها تملكها بالفعل.

اعتمادا على ما يتراوح بين 3.000 و4.000 جهاز طرد مركزي، يمكن لإيران إنتاج مواد كافية لصنع قنبلة واحدة في غضون أسابيع.

في تعليق نشرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إيرنا» بتاريخ 23 أكتوبر (تشرين الأول)، تفاخر مسؤول إيراني بأنه «إذا رغبت إيران في بناء أسلحة نووية، فلن يكون أمامها مشكلة فيما يخص المواد القابلة للانشطار». وسعيا للتأكيد على هذه النقطة، أعلنت «إيرنا» أن طهران «بلغت مرحلة المدخل أو الانطلاق»، الأمر الذي يعني أن لديها القدرة على التحول إلى قوة نووية.

وحتى إذا ما وافقت إيران على الاتفاق المقترح، الأمر غير المؤكد بعد، حتى وقت كتابة هذا المقال، فإن التساؤل الحقيقي، أي السجادة الأصلية، يبقى قائما: هل ينبغي أن تلتزم إيران بقرارات مجلس الأمن أم لا؟

ويدور الخلاف حول إجبار إيران على إغلاق برنامجها لتخصيب اليورانيوم تماما، وليس إمدادها بوقود ليست بحاجة إليه. وحتى إذا مضى الاتفاق قدما، ستحظى طهران بميزة تخصيب جزء من مخزوناتها من اليورانيوم إلى درجة 20% من جانب روسيا، وبالتالي تسرع وتيرة عملية التخصيب إلى درجة 90%.

في تلك الأثناء، ستحصل طهران على موافقة ضمنية على برنامجها لتخصيب اليورانيوم. وحتى إذا لم تلجأ إيران إلى الغش والخداع، فيعني مثل هذا الاتفاق مجرد إبطاء وتيرة بناء المخزونات اللازمة لعملية التخصيب بالدرجة المناسبة لصنع أسلحة، بمعنى أن مجموعة «5+1» تعطي إيران ترخيصا لبناء القنبلة النووية، لكن بسرعة أقل.

في الواقع، إن مجموعة «5+1» أشبه بفاعلي خير يحاولون منع مسرف في شرب الخمر من استمرار إدمانه الخمر عبر استبدال مشروب أقوى بالمشروب الكحولي ضعيف التأثير الذي يتناوله.

الآن، بات كل ما يتعين على مجموعة «5+1» عمله العثور على تفسير منطقي لشرائها سجادة لا ترغبها بدلا من الأخرى التي دخلوا المحل في الأساس لشرائها.