كريغ ديدز ضد ما يجري في واشنطن

TT

ربما لا يعدّ كريغ ديدز، المرشح الديمقراطي لمنصب حاكم ولاية فيرجينيا، مرشحا بارزا، لكن من الواضح أن مستقبلا لامعا ينتظره كمعلق سياسي. في إطار مقابلة أجريت معه أخيرا، شرح ديدز المصاعب التي تواجهه في الحصول على دفعة سياسية. وقال: «بصراحة، هناك الكثير مما يجري في واشنطن زاد من صعوبة تحقيق ذلك على نحو بالغ. لقد شهدنا أغسطس (آب) عصيبا للغاية نظرا لعدم ارتياح الناس حيال سياسة الإنفاق الراهنة، بل إنهم لا يشعرون بالارتياح حيال الكثير مما يجري في الوقت الحاضر. هناك الكثير من الضجة صادرة عن واشنطن».

في الواقع، بعض هذا الحديث لا يعدو كونه محاولة لإلقاء اللوم على جهات أخرى، ذلك أن ديدز ذاته اقترف الكثير من الأخطاء غير ذات الصلة بالبيئة السياسية الوطنية، بينها طرح مقترحات لسياسات خاطئة على نحو فادح. ومع ذلك فإن ديدز محق في شكواه حيال «ما يجري في واشنطن» (بمعنى التوجهات الليبرالية الطموحة للديمقراطيين الوطنيين) و«الإنفاق» (بمعنى حزمة المحفزات التي أقرها الرئيس أوباما والخطط الأخرى باهظة التكلفة) و«الضجة» (في إشارة إلى النقاشات التي أثارها أوباما حول دور الحكومة)، باعتبار أن كل هذه الأمور قوضت قدرته على اجتذاب الناخبين داخل ولاية يهيمن عليها تيار يمين الوسط. في إطار استطلاع للرأي أجري أخيرا، حظي أداء الكونغرس بمعدل تأييد بلغ 21%، أي أقل بنسبة 10 نقاط عن معدل تأييد مستوى أداء حاكم كارولينا الجنوبية، مارك سانفورد. والواضح أن ديدز يخوض المنافسات الانتخابية حاملا على عاتقه عبء الكونغرس الذي يهيمن عليه الديمقراطيون، وكذلك الأعباء المتنامية المتعلقة بأوباما.

في الواقع، لا يعكس السباق الانتخابي في فيرجينيا توجهات وطنية فحسب، وإنما سيساعد في تحديد وصياغة مثل هذه التوجهات. وربما تأتي انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) في لحظة حيوية بالنسبة للنقاش الدائر حول إصلاح الرعاية الصحية، في وقت يواجه الديمقراطيون المحافظون مطالب بخوض مخاطر سياسية دعما لأوباما والإصلاح. وحال تعرض الديمقراطيين للهزيمة في فيرجينيا فإن ذلك سيبعث برسالة ضمنية مفادها أن المخاطرة أعلى مما يظنه الكثيرون.

في إطار هذه البيئة العامة، فعل ديدز ـ الذي يؤيد حق حمل السلاح وعارض الإجهاض الجزئي ـ ما يلجأ إلى فعله الديمقراطيون اليائسون في الغالب، حيث هاجم التوجهات الاجتماعية المحافظة لخصمه. من ناحيته، وفر بوب مكدونيل فرصة لذلك بأطروحة علمية وضعها خلال دراسته أعرب خلالها عن اعتقاده بأن الأُسر التي تضم والدَين متزوجَين أرقى من تلك التي تضم «رجلا وامرأة يعيشان معا مثل الأزواج أو الشواذ جنسيا». وكان من الصعب على مكدونيل إعلان تبرُّئه من هذه الأطروحة باعتبارها نتاج اندفاع الشباب عندما كان في الـ34 من عمره. وليس بإمكان أي سياسي تحمل عواقب خسارة أصوات الناخبين ممن يعيشون حياة أسرية خارج إطار الزواج.

في أعقاب كشف النقاب عن الأطروحة أغسطس (آب) الماضي احتدم التنافس بين الناخبين وتضاءل الفارق بينهما، إلا أن مستشاري الحملة الانتخابية لمكدونيل لم يكتفوا بذلك، ذلك أنه انطلاقا من إدراكهم أن مثل تلك الأطروحة بمفردها غير كافية لتبديل دفة السباق الانتخابي، عمد القائمون على حملة ديدز الانتخابية إلى التأكيد على أن الأطروحة العلمية تشكل «خطة» قام عليها مجمل المشوار المهني لمكدونيل بمجال التشريع.

وشددت الإعلانات الانتخابية على أن مكدونيل عارض لجوء الأزواج لمنع الحمل وتوفير غطاء تأميني لتكاليف تصوير الثدي بأشعة إكس ـ اتهامات ليس لها سند مطلقا. في الواقع، بغض النظر عن آرائه الاجتماعية، تميز مكدونيل خلال عمله كمشرع ونائب عام بنهج برغماتي.

في الوقت الراهن، بدأت ردود أفعال عكسية في الظهور. على سبيل المثال، أشار أحد المراسلين إلى أنه خلال منتدى عقد في 17 سبتمبر (أيلول) لقيادات القطاع التجاري في فيرجينيا الشمالية، قوبل ذكر ديدز المتكرر لأطروحة مكدونيل العلمية بأصوات استهجان واضحة من جانب بعض الحضور. بوجه عام، تبدي صحف فيرجينيا رفضها للأساليب التي ينتهجها ديدز، والتي وصفتها الصحف بأنها «كاذبة» و«تضرب تحت الحزام» و«خادعة».

ووصل الأمر ببعض كتاب المقالات الافتتاحية بإطلاق لقب «ديدز القذر» على المرشح الديمقراطي ـ اللقب الذي اعتدنا إطلاقه في المدرسة على التلاميذ الذين كنا نمقتهم. وكشف أحد استطلاعات الرأي ـ كان قد أظهر تعادل المتنافسين تقريبا في منتصف سبتمبر (أيلول) ـ تراجع ديدز عن منافسه بنحو تسع نقاط بعد أسبوعين. كما أوضح استطلاع للرأي أجرته «واشنطن بوست» تقدم مكدونيل بتسع نقاط.

إذن ما الدرس الذي يمكن للديمقراطيين استخلاصه من ذلك؟ الواضح أن ديدز أساء تقدير البيئة السياسية العامة، ذلك أن عدد أبناء فيرجينيا الذين أشاروا في إطار استطلاع للرأي أجري أخيرا إلى أطروحة مكدونيل العلمية باعتبارها أهم قضية أمامهم، جاء أقل من 1%. وفي الوقت الذي يتحدث مكدونيل عن الوظائف والنقل، يتحدث ديدز عن الآراء الاجتماعية. ربما يكون الدرس المستفاد مثيرا للقلق بالنسبة للديمقراطيين، فعلى ما يبدو، لم تفلح جاذبية وسحر أوباما ولا الحروب الثقافية ضد الجمهوريين. وربما يكمن السبب وراء ذلك «فيما يجري في واشنطن».

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»