ساتر التمويه الإيراني

TT

سعي إيران للحصول على السلاح النووي هاجس يشغل العالم، خاصة في البلدان العربية التي يزداد توترها بشأن الإجراءات التي يجب على العالم اتخاذها حتى لا يتحول الكابوس إلى واقع. العبارة أعلاه، ملخص كلمة ألقيتها في ندوة في مجلس اللوردات في وستمنستر، استضافها اللورد العمالي نظير أحمد.

وباستثناء سؤال صحفي فلسطيني، وجهه إلى السكرتير الأول في السفارة الإيرانية، اختطف اليساريون البريطانيون وعدد من الإسلاميين الراديكاليين ـ من المهاجرين ـ الوقت المخصص للمناقشة، لإبعاد الحوار عن موضوع الندوة عن امتلاك إيران للسلاح النووي، وهل يجعلها إسرائيل أخرى في نظر العرب؟

سؤال الصحفي الفلسطيني كان استفسارا عن جهود إيران لطمأنة جيرانها العرب عن توازن القوى في حالة امتلاكها للسلاح النووي.

لم يجب الديبلوماسي الإيراني عن السؤال، وإنما كرر ما ذكره في كلمته الطويلة عن قتال إسرائيل مع حماس.

تهرب الديبلوماسي الإيراني (وواضح أنه كان يقرأ ما كتب له في طهران بدليل تلعثمه وقراءته بضع فقرات كببغاء لا يبدو مستوعبا لما يقرأ) من الإجابة عن السؤال، اضطرني للإجابة نيابة عنه.

والتزمت بوقائع محايدة دون إبداء رأي كتلخيص مركز لمحادثاتي مع مسؤولين وديبلوماسيين كبار في 13 بلدا من أعضاء الجامعة العربية، اتضح أن هاجسهم الأول هو امتلاك إيران لقنبلة نووية مقتنعين بأنها لن تستخدمها ضد إسرائيل، وإنما لابتزاز جيرانها العرب لفرض هيمنتها على الخليج.

الندوة بينت مأزق اليسار البريطاني. فمثلا نائب عمالي يساري من مجلس العموم ينتمي لحملة نزع السلاح النووي، وهي تيار بدأ في نهاية الخمسينات بالدعوة لإنهاء سباق التسلح بين المعسكرين أثناء الحرب الباردة، واختطف اليسار قيادته على مر السنين، لينضم إلى المعسكر المعادي لأمريكا تاريخيا وهو معسكر كبير مترامي الأطراف بين يساريي أوروبا وليبرالييها. النائب هاجم بلاده لامتلاكها سلاحا نوويا بينما تضم صوتها للحملة العالمية لإقناع إيران باستيراد وقود للمفاعلات النووية من روسيا، ثم غادر القاعة، قبل أن أذكره بحقائق تاريخية.

فبريطانيا لم تستخدم السلاح النووي في أي حرب، وليس في نيتها استخدامه، وإنما تحتفظ بصواريخ تعد على أصابع اليد الواحدة في ثلاث غواصات كعنصر ردع يمكنها من الرد في حالة تدمير مدنها.

كما أنها العضو الوحيد بين الخمسة الدائمين في مجلس الأمن ( النادي النووي) الذي أنقص مخزونه النووي بمبادرة فردية تلقائية وليس وفق معاهدات، بمعدل 75%، أي تمتلك الآن ربع العدد الذي امتلكته من أسلحة نووية في مطلع السبعينات، وهو ما لم تفعله فرنسا، أو الصين ، بينما تخفض موسكو وواشنطن ترساناتهما وفق معاهدات بينهما.

خمس مداخلات، طويلة ـ رغم توسلات رئيس الجلسة اللورد أحمد بأن تكون المداخلة في شكل سؤال يتعلق بنقطة محددة ـ معقدة غير محددة من يساريين بريطانيين، لم يتناول أي منها النتائج المترتبة على امتلاك إيران للسلاح النووي، من بدء سباق تسلح نووي في منطقة مضطربة سياسيا مملوءة بأنظمة ديكتاتورية شن بعضها في السابق حروبا على الجيران.

السباق لا يرغبه العالم في وقت يسعى فيه المجتمع الدولي إلى نزع السلاح النووي من الجميع، بما في ذلك القوى العظمى، لا السعي لنشره في مناطق جديدة، خاصة الملتهبة منها كالشرق الأوسط.

وكرر عدد من الإسلامجوية، واليسار البريطاني والديبلوماسي الإيراني أسطورة أن إيران طوال 2000 عام لم تعتد على أحد، وإنما تعرضت للعدوان.

ومرة أخرى، وجدت نفسي مضطرا لتذكير الحضور بحقائق تاريخية ـ مما جعلني هدفا لهجوم التحالف الثلاثي، الإسلامجوية، واليساريين، والإيرانيين ـ وهي أن العدوان لا يكون دائما في شكل مشاة يخترقون الحدود ويغزون الأرض، وذكرت أمثلة تعرض الإمارات المتحدة، والسعودية، ولبنان، ومصر، والبحرين لعدوانات إيرانية غير مباشرة. ولما صاح البعض طالبا الأدلة، ذكرت، على سبيل المثال لا الحصر، تكرار اختراق الإيرانيين للأجواء الإماراتية والسعودية أثناء حربهم مع صدام حسين في الثمانينات وتهديد الناقلات الحاملة لبترول بلدان الخليج العربية، مما اضطر الطيارين السعوديين للاشتباك معهم وأسقط طائرات إيرانية أكثر من مرة.

وذكرت دعم حماس بالسلاح، ليس عن طريق البحر أو الجو، وإنما انتهاكا للحدود الدولية والسيادة المصرية، على الحدود الجنوبية بتهريب الأسلحة من السودان، ثم الحدود الشرقية الشمالية من سيناء عبر الأنفاق. ومن البديهي أن أي بلد في العالم لا يسمح بالتهريب عبر حدوده وانتهاك سيادته على ترابه الوطني، حتى ولو كان يتعاطف مبدئيا مع الطرف المهرب السلاح إليه.

وضربت مثلا لليساريين البريطانيين من الحضور، عن مدى قلق بلادهم وانزعاج الرأي العام في السبعينات من مد الكولونيل معمر القذافي لمنظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي بالسلاح وبطن من متفجرات سيمتكس، استخدمتها المنظمة في أعمال إرهابية راح العديد من المدنيين ضحيتها، واضطرت لندن لاتخاذ إجراءات رادعة ضد القذافي بلغت ذروتها عام 1986 بمعاونة الطائرات الأمريكية في الإغارة على ثكنات العزيزية، مقر قيادة القذافي.

باختصار لا يرضى أي بلد باختراق حدوده وتهريب أسلحة ومتفجرات لمنظمات لا يسمح قانون البلد لها بالنشاط على ترابه.

وضربت مثلا بتدخل إيران في السيادة القومية للبنان بتسليح وتمويل حزب الله ودفعه لجر لبنان دون استشارة برلمانها وحكومتها ودافعي الضرائب فيها، إلى حرب مع إسرائيل لحساب إيران، وجاء رد إسرائيل بتدمير منشآت ومرافق وطرق لا يملكها حزب الله أو المستثمرون الإيرانيون، وإنما أبناء الأمة اللبنانية الذين شيدوها.

كما ذكرت ضبط الأمن البحريني لخلية حزب الله ـ فرع البحرين ـ عام 1996، وهي تعد لانقلاب دموي مسلح، فاستمر إسلامجوي في مقاطعتي صائحا إنها دعاية من حكومة البحرين، فذكرته بهدوء، بأنني لم أكن وحدي حتى تخدعني حكومة البحرين، وإنما كان معي عشرات من صحافة العالم شرقا وغربا، وأن أدلة الاتهام لم تكن مجرد اعتراف المتآمرين فقط، بل أدلة مادية في شكل المتفجرات وأجهزة التفجير وأجهزة الاتصال، وإشارات أرقام المصنع التسلسلية serial numbers المختوم عليها بأن مصدرها إيران.

الظاهرة التي اكتشفتها في مسألة عدم انتباه الرأي العام الشرق أوسطي لخطورة برنامج التسلح النووي الإيراني، وبالتالي اليسار الأوروبي، هي نجاح إيران والتيارات الداعمة لتشددها وعرقلتها للاستقرار والسلام ـ خاصة مساعدة الفلسطينيين على استقلالهم في إطار حل الدولتين ـ في تمويه الأخطار الإيرانية وراء ساتر دخان وفره الإعلام العربي بمعاداته لإسرائيل دون الأخذ في الاعتبار بتطور الاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية، وبالتالي تغلف طهران نشاطها التخريبي وطموحاتها للهيمنة على الخليج (السلاح النووي إحدى وسائلها) وعلى الرأي العام العربي فيما يسمى بمقاومة إسرائيل، في حين أنها لا تضحي بأبنائها، وإنما بأبناء لبنان وفلسطين وبلدان عربية أخرى مقابل حفنة رصاصات.