هزيمة طالبان الجديدة في أفغانستان مفتاح القضاء على «القاعدة»

TT

يقول منتقدو إرسال مزيد من القوات الأميركية لقتال طالبان إنها لا تشكل تهديدا محوريا للأمن القومي الأميركي، كما هي الحال مع «القاعدة». ولكن بالنسبة لتنظيم القاعدة من الناحية العملية، لا يوجد شيء أهم في الوقت الحالي من معارك طالبان في أفغانستان وباكستان.

في البداية، المنتقدون على صواب، من دون شك، في التأكيد على عدم الأهمية الكبرى لأفغانستان، وبذلك عدم وجود نفوذ لها، في تطوير الفكر الإسلامي الحديث، والأهمية المحورية للعرب بالنسبة لتنظيم القاعدة. ولا يمكنني أن أذكر مفكرا أفغانيا واحدا أسهم في تشكيل فكر أي من الجماعات المسلحة السنية أو الشيعية.

ومن المؤكد أن الجهود الضعيفة التي يبذلها العالم العربي للوصول إلى الحداثة أسفرت عن الفيروس الذي هاجمنا في 11/9 وقتل كثيرا من المسلمين، خاصة في العراق. وإنه رهان جيد أن الفناء البطيء لحركة الجهاد كدعوة دينية حية منتشرة بين العرب السنة، مع افتراض استمرارها، يدق ناقوس الموت للمجاهدين حول العالم. وإذا لم تستطع «القاعدة» إشعال الصراع السني الشيعي في العراق، وتبدو فرص حدوث ذلك ضئيلة للغاية، فقد خسرت حركات الجهاد السنية الحرب في العراق، ومعها، العرب. لقد كانت بلاد ما بين النهرين بالفعل «جبهة مركزية» في الحرب على الإرهاب، لأنها كانت المسرح العسكري الوحيد الذي كانت «القاعدة» وحلفاؤها يملكونه في العالم العربي. فليخرج الأميركيون ويطلق العنان لحمام دم سني شيعي ربما يدخل الدول العربية السنية وإيران في حرب دموية باردة، وربما تهز الحركات الإسلامية السنية المسلحة أرجاء المنطقة.

وكان المخططان الاستراتيجيان أسامة بن لادن وأيمن لظواهري يعيان ما يقولانه جيدا عندما وصفا العراق بميدان المعركة الحاسم. وكان تحقيقهما الفوز هناك ليمنح قضيتهما إمكانيات حقيقية في المعاقل الإسلامية. ويعد مقاتلو طالبان الجدد في أفغانستان، مثل حركة طالبان الباكستانية، أبناء لتنظيم القاعدة. وفي أفغانستان وباكستان فقط شاهدنا حركة المجاهدين متأصلة بأعداد كبيرة. ولم يشهد مكان آخر في العالم الإسلامي دمارا مثل أفغانستان. وتمثل طالبان حركة إسلامية مسلحة خطيرة بارزة قادرة على الاستفادة من هوية عرقية نشطة (وهي البشتونية) وتنوع الثقافة والانتماءات المحلية الحتمي في الأراضي الجبلية. وقد احتضن الملا عمر وكثير من البشتونيين الآخرين بن لادن لأن التربة الإسلامية في أفغانستان خصبة؛ بعد أن تركت الشيوعية الأفغانية الوحشية في السبعينات، والاحتلال السوفياتي الأكثر وحشية في الثمانينات، والحرب الأهلية في التسعينات، أفغانستان من دون أية انتماءات بخلاف الدين. وفي مجتمع قبلي فعال، بأعرافه ومراتبه الأسرية، لم يكن من الممكن أن يظهر الملا عمر، أو محب التفجيرات الانتحارية جلال الدين حقاني، أو قلب الدين حكمتيار. لقد ظهروا في أفغانستان الحالية بسبب اندثار المجتمع القبلي، خاصة من الرجال أصحاب الفكر والطموح والقناعات النضالية. ولا توجد حدود لدى ما يسمى بالبشتونية الإسلامية المتطرفة؛ فحركة المسلحين على أحد جانبي خط دوراند تغذي المسلحين على الجانب الآخر.

وبلا شك، يفضل بن لادن والظواهري أن تكون لهما جبهة مركزية في العالم العربي من جديد. ولكنهما في أفغانستان وباكستان يخوضان معارك ربما يفوز بها فريقهما. وفي الوقت الحالي، أو المستقبل القريب، ربما يكون من المستحيل من الناحية العملية والفلسفية تحديد الفرق بين تنظيم القاعدة العربي والجماعات المتطرفة الأفغانية والباكستانية، والتي تتخذ قدوة لها من المسلحين البشتون الذين يتفاهمون مع طالبان الجديدة على جانبي الحدود. ولا يتسم مقاتلو تلك القضية بالدنيوية مثل سابقيهم العرب؛ ولا يوجد لديهم أي مفكرين مشهورين يحركون الحشود العريضة، ولكنهم يعدون بتحقيق نجاح كبير.

في داخل باكستان والهند يوجد مسلمون على مستوى عال من التعليم ربما ينضمون إلى تلك القضية. ولم يضم تنظيم القاعدة العربي مطلقا موهبة علمية من الطراز الأول، أو حتى الثاني. وربما تقدم باكستان والهند، اللتان تمتلكان مؤسسات تعليمية أفضل بكثير من العالم العربي، ما يفتقده المجاهدون المعاصرون حتى الآن من مهارة ضرورية لنشر أسلحة الدمار الشامل ضد الولايات المتحدة. في الحقيقة، أصبحت باكستان، أحد أهم ميادين المعركة في الحرب الأهلية الإسلامية. إنها ليست محاولة عربية فقط. وتعد باكستان وإيران ـ أكثر معمل ديناميكية في الفكر السياسي الإسلامي ـ والعراق ما بعد صدام، رموزا ترشد إلى مستقبل أفضل (أو أسوأ) للمؤمنين. وهم يحاولون إعادة صياغة الصورة التي يتزاوج فيها الدين بالحداثة بصورة غير ناجحة حتى الآن. ويحاولون إدخال الديمقراطية بفاعلية في الدين، ومعها وعد بأعراف أقل تصادما. وتقدم الأراضي العربية بالتأكيد جنودا وفلاسفة أكثر خطورة لحركة الجهاد. ولكن من المرجح أن ينضموا إلى حركة يقودها مسلمون لا يتخلون تلقائيا عن الفخر بالمكان إلى هؤلاء القادمين من معاقل تاريخية، وسيتشاركون في عواطفهم وأعدائهم، ولتلحظ أن الأعمدة الثلاثة لحركة طالبان الأفغانية الجديدة (الملا عمر والحقاني وحكمتيار) أصبحوا أكثر عداء لأميركا مما كانوا منذ عقد. (وكانوا عنيفين وقتها). وإذا وضعنا الحرب جانبا، فها هو التطور الطبيعي: أفضل وأبرز العناصر في القضية الإسلامية ستفكر وتبث الكراهية على مستوى دولي. وقد شهد التاريخ الإسلامي بانتظام بروز أفكار ومؤسسات لدى العرب، ثم انتشارها بين أعداد أكبر وأقوى من أصحاب الدين ذاته. وفي الوقت الذي لم يبدُ فيه بن لادن مطلقا رجلا ذا غطرسة عربية، ويظهر تعاطفه مع أفغانستان وباكستان حقيقيا، فإنه على الأرجح راض بمشاهدته لذلك التطور. ولا يجب أن نكون نحن كذلك.

*زميل في «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات».. ومتخصص سابق في وكالة الاستخبارات الأميركية في شؤون الشرق الأوسط.. ومؤلف كتاب: «أعرف عدوك: رحلة جاسوس في إيران الثورية».

*خدمة «غلوبال فيوبوينت».

خاص بـ«الشرق الأوسط».