إيقاف المحادثات الإيرانية

TT

جاء الإعلان، أخيرا، عن الاتفاق المبدئي الذي بمقتضاه ستنقل إيران قرابة ثلاثة أرباع وقودها النووي إلى خارج البلاد لتخصيبه في روسيا، بعد ما يقرب من ثلاثة أيام من عقد محادثات بين مسؤولين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة وإيران. حتى قبل انعقاد هذه المناقشات، حظي الاجتماع الذي جرى بين مسؤولين أميركيين وإيرانيين بارزين وجها لوجه باهتمام إعلامي واسع، لكنه لم يكن الأول من نوعه. منذ عام 1981، عمد مسؤولو الدولتين إلى عقد لقاءات بينهم في هدوء في لاهاي لتسوية مطالب بمليارات الدولارات مرتبطة بالثورة الإيرانية، وما أعقبها من قطع للعلاقات الدبلوماسية بين الجانبين.

تجري لقاءات الجانبين تحت رعاية محكمة التحكيم في المطالب الإيرانية ـ الأميركية، التي أنشئت بناء على اتفاق تمت بمقتضاه تسوية أزمة الرهائن عام 1979. رغم الإنجازات المهمة التي حققتها المحكمة، من الواضح أنه لم يعد لها أهمية لكلا الطرفين ـ وقد تواجه إدارة أوباما تحديا قانونيا دوليا على قدر كبير من الخطورة إذا ما أصدرت المحكمة أوامرها لواشنطن بدفع مبالغ نقدية ضخمة للحكومة الإيرانية.

الملاحظ أن هذه المحكمة التحكيمية الخاصة تشبه في عملها على حد كبير المحاكم العادية، ذلك أنه في إطارها، تقدم واشنطن وطهران دعاوى وتترافعان بشأنها أمام تسعة قضاة، بحيث تعين كل منهما ثلاثة من القضاة، بينما يجري تعيين الثلاثة الآخرين باتفاق متبادل من الدولتين أو من قبل سلطة محايدة. يجري عقد جلسات الاستماع الخاصة بالمحكمة داخل فندق بأحد الشوارع السكنية. وسمحت هذه الجلسات للمحامين من كلا الجانبين بالحديث مباشرة عن عدد من القضايا.

الملاحظ أن الأمور تعقدت منذ أمد بعيد جراء السلوك السيئ المستمر من جانب الحكومة الإيرانية. وعلى امتداد ما يتجاوز العقد، فشلت إيران في سداد مئات الملايين من الدولارات في حساب أمني أنشئ بناء على أحكام لصالح ادعاءات أميركية. كما تقدمت طهران على نحو متكرر بطعون ضد القضاة الذين جرى اختيارهم من قبل دولة ثالثة، الذين أصدروا أحكاما ضد الادعاءات والمطالب الإيرانية. بل ونددت إيران بكبير قضاة المحكمة، وهو رئيس المحكمة العليا الهولندية السابق، بعد رفضه طلبا لها بفصل رئيس المحكمة، كرزيسزتوف سكوبيسزيويسكي، وزير الخارجية البولندي السابق. العام الماضي، تقدم القضاة الإيرانيون الثلاثة باستقالة جماعية، مبررين قرارهم بوجود خلافات بينهم وبين القضاة الآخرين.

في يوليو (تموز) رفضت المحكمة، بأصوات 5 مقابل 4 قضاة، دعوى إيرانية للحصول على 2.2 مليار دولار كتعويض عن معدات عسكرية كانت قد تقدمت بطلبات لشرائها في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، لكن رفضت الحكومة الأميركية السماح للشركات الأميركية بتقديمها لطهران بعد أزمة الرهائن. وحال إصدار المحكمة أمرا يقضي بدفع واشنطن ولو نسبة ضئيلة من التعويض المطلوب، كانت الإدارة الأميركية ستجد نفسها مضطرة للاختيار بين التمسك بالالتزامات الأميركية في ظل «اتفاقات الجزائر»، وبالتالي دفع ملايين الدولارات (أو أكثر) لحكومة تدعم الإرهاب وتعمل سرا على بناء منشآت لتخصيب اليورانيوم، أو تجاهل محكمة دولية.

إلا أن إدارة أوباما لا تزال تواجه تهديدا على هذا الصعيد، حيث تركت المحكمة الباب مفتوحا أمام إعادة رفع دعوى بشأن بعض جوانب الخلاف، ولا تزال لطهران دعاوى بقيمة تبلغ مليارات الدولارات في قضايا أخرى.

وعليه، يجب أن تحدد الإدارة التوجه الذي ينبغي إتباعه حيال المحكمة. في ظل القانون الدولي، تتمتع الإدارة بأساس منطقي لتجميد المشاركة الأميركية في هذا الكيان المختص بالفصل في النزاعات، بسبب الجهود الإيرانية الساعية لتقويضه. بيد أن هذه الإدارة شددت على التزامها بالقانون الدولي، واتخاذها هذا الخيار قد يثير انتقادات دولية ومزيد من الطعون القانونية ضدها. من ناحية أخرى، من المتوقع أن يشكل الاتفاق المبدئي المعلن الأربعاء وسيلة لكسب مزيد من الوقت للتوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة القائمة حول الطموحات النووية الإيرانية. بدلا من الاستمرار في العمل على أمل تحقق السيناريو الأفضل، من الممكن أن يقترح المفاوضون الأميركيون حل المحكمة، وسحب الدعاوى الإيرانية مقابل تحمل واشنطن تكاليف تخصيب طهران لليورانيوم المخصب بالخارج. ومن الممكن كذلك تسوية الدعاوى المتعلقة بممتلكات تخص الحكومتين، وورد ذكرها في دعاوى معروضة على المحكمة، الأمر الذي من شأنه تمهيد الطريق أمام استعادة العلاقات الدبلوماسية تدريجيا.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»