صديق سنحتاجه في شمال العراق

TT

فوز الدكتور برهم صالح برئاسة وزراء كردستان له قيمة سياسية كبيرة، ليس للأكراد وحدهم بل للعرب أيضا. صحيح أن العاصمة بغداد خسرته لكنه نقلها معه إلى أربيل.

ما الذي يهمنا في من يدير الشأن الكردي؟ يهمنا كثيرا في هذه المرحلة. أمامنا مرحلة صعبة أخرى مقبلة تحتاج إلى برهم وآخرين مثله في العراق. فالبلاد يبدو أنها تجاوزت الخطر لكنها لا تزال جالسة على حافة الهاوية ومعها المنطقة مربوطة بحبل. فإن فشل العراق سيسقط وسيجر معه الغير إلى قاع الهاوية، مع اقتراب نهاية زمن الرعاية الأميركية. لنتذكر أن الأزمة العراقية ظلت ست سنين مشتعلة لكن القليل من حرائقها أصاب المنطقة.

بوجود رجل معتدل يملك فكرا أبعد من أربيل والسليمانية، وعلى اتصال وثيق بالعواصم العربية، نكون أقل خوفا.

برهم وبقية السياسيين الأكراد في العراق لعبوا دورا بناء في وحدة العراق وعلاقاته الإيجابية. هنا يستحق أن أذكّر بالمفارقة في المشهد العراقي، ذلك أن الأكراد بخلاف توقعاتنا كانوا أكثر تسامحا وتعاونا وانخراطا في العمل السياسي العراقي. مع أن الأكراد عاشوا عقودا ينشدون الانفصال ويقاتلون على أكثر من جبهة. سعوا للانفصال عن عراق صدام، لما عانوه من بطش وإلغاء. لاحت لهم الفرصة بعد هزيمته، حيث تم فصل كردستان عن بقية العراق، في أعقاب حرب الكويت عام 91، وصاروا الجزء الوحيد خارج بغداد المستقل سياسيا وإداريا وماليا.

عاشوا 13 عاما من حالة استقلال نادرة، لكن إسقاط نظام صدام أفقد الأكراد كثيرا مما جمعوه، حيث تعين عليهم أن يتبعوا حكم المركز بغداد، بالتنازل عن بعض مكاسبهم الإدارية والمالية، وانتهى الحكم الذاتي الكامل. رغم ذلك كان الأكراد الطرف الوحيد الذي امتنع عن ممارسة العنف، وكانوا أكثر العراقيين انخراطا في الإدارة المركزية. ومع أنهم ليسوا عربا إلا أن هوشيار زيباري، وزير خارجية العراق، من المداومين على حق العراق العربي، وارتباطه بمحيطه. وبقيت كركوك خط تماس ملتهب بين عرب العراق وكرده، ويهدد النزاع بينهم بتخريب العلاقة الهشة. لهذا، الأمل في عقلاء العرب والأكراد على الجانبين كفيل بحل المشكلة التي يمكن أن تفسد سنوات العسل.

عرفنا برهم من أهم الشخصيات النشطة على كل الجبهات السياسية في العراق وخارجه، وواحدا من أشد الأكراد دفاعا عن العراق الكبير، بعلاقاته الممتدة خارج منطقته. يتميز بأنه عراقي ينظر إلى المستقبل على أن العراق بلد أكبر مما يراه أهله اليوم، نموذج للبلد الناجح. من حظ كردستان أن يديرها اليوم شخص مثل برهم لا يرى منطقته بالعين الضيقة التي يراها بعض العرب والكرد، يرى مساحة كبيرة للعيش المشترك، وفرصة لشراكة سياسية واسعة، وتطويرا يعجز المتصارعون على الأحياء والأمتار الضيفة عن رؤيته.

نحن نتمنى ألا يكون خروجه من بغداد، من نائب لرئيس وزراء كل العراق إلى رئيس وزراء للأكراد، خسارة للمركز لصالح الإقليم فقط، نرجو أن يكون مكسبا للمركزين، فالعراق في حاجة إلى العديد من ألوانه لتجاوز محنته في فصلها الأخير، في حاجة إلى عقلاء الأكراد والشيعة والسنة وغيرهم.

[email protected]