ما يدور في الأذهان وراء جدار الصمت

TT

فيما يخص الانتخابات التي شهدتها إيران، جابهنا وجهتي نظر، تبنت أولاهما الحكومة وتدور حول فكرة أن الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد في 12 يونيو (حزيران) نجحت في تعبئة 40 مليون من إجمالي 46 مليون إيراني يحق لهم الإدلاء بأصواتهم. من بين من أدلوا بأصواتهم، من المفترض أن 25 مليون صوتوا لصالح الرئيس الحالي، بينما حصل مير حسين موسوي على 13 مليون صوت. أما عدد الأصوات التي حصدها كروبي فتقدر بحوالي 300.000 صوت، ما يقل عن عدد الأصوات الملغاة.

بيد أنه في المقابل تتمسك شريحة واسعة من مجتمعنا بوجهة نظر مغايرة، حيث تساورهم الشكوك إزاء أن الرقم الفعلي للمؤهلين للإدلاء بأصواتهم أقرب إلى 52 مليون نسمة. كما يراودهم اعتقاد بأن عدد من شاركوا فعليا بالإدلاء بأصواتهم 40 مليون نسمة. ويتساءلون: هل كان بالفعل الفارق في عدد الأصوات التي فاز بها الرئيس من ناحية وكروبي من ناحية أخرى بهذه الضخامة؟

في الواقع، هناك عشرات التساؤلات الأخرى تطرح نفسها، مثل، ما السر وراء أنه بعد مرور أربعة شهور ونصف على عقد الانتخابات، لم تنحسر الحركة الشعبية بعد؟

من جانبي، أعتقد أن الحكومة عجزت عن تحقيق النتائج المرجوة من وراء فرضها نتائج الانتخابات، وكذلك التعامل مع الحركة الشعبية.

تقوم حجة الحكومة على أن الانتخابات سارت على نحو يتوافق مع القانون، بدءا من عملية الترشح، وصولا إلى التعامل مع التظاهرات، حيث جرى التعامل من خلال «مجلس صيانة الدستور». إلا أن مثل هذا التوجه القانوني ضيق الأفق من شأنه إلحاق الضعف بأي حكومة، بما في ذلك حكومة الجمهورية الإسلامية.

وعلى الحكومة أن تعي أن الثقة التي فقدتها يتعذر عليها استعادتها من خلال تكميم أفواه منتقديها أو حتى استخلاص «اعترافات» منهم ودفعهم نحو اتباع نهج «التقية» في ظل الضغوط التي يتعرضون لها.

تتمثل إحدى القواعد الذهبية التي على الحكومة اتباعها التأكد من تطابق ما يبديه المواطنون مع ما يبطنونه. إذا أخفى الناس حقيقة مشاعرهم بدافع الخوف سينتهي بنا الحال إلى مجتمع هادئ في مظهره يخفي داخله غليان يشرف على الانفجار.

من جهتها، تدعي الحكومة انتهاك منتقديها للدستور. إلا أن إلقاء نظرة أعمق على الأمر تكشف أن الحكومة هي من لا يحترم الدستور، خاصة أن دستورنا يكفل حق التظاهر السلمي. في المقابل، تنظر السلطات إلى مثل هذه التظاهرات باعتبارها «تهديدا للأمن القومي».

على ما يبدو، فإنه بعد مرور 30 عاما على الثورة، قرر البعض فرض نظام الحزب الواحد القائم على حزب واحد مسلح. في إطار مثل هذا النظام، سيعمدون إلى تقسيم المواطنين بين «أولئك الذين يتخذون صفنا» و«أولئك الذين يعارضوننا».

ويجري استخدام المنطق ذاته في الحيلولة دون إطلاق سراح السجناء السياسيين. إلا أن ملء السجون بخصوم المرء يعد دوما مؤشرا على الشعور باليأس. إضافة إلى ذلك، من الممكن أن ينبع من الرغبة في تسوية حسابات شخصية. المؤكد أن مثل هذه الإجراءات الانتقامية تتنافى مع المصالح الوطنية. إن الحاكم الناجح في أي نظام حكومي هو الذي يقلص أعداد خصومه ويزيد أعداد أنصاره يوما بعد آخر.

أعتقد أنه لو كان خاتمي ترشح في الانتخابات، كان سيحصد عددا ضئيلا للغاية من الأصوات داخل معسكر المحافظين. إلا أن موسوي تمكن من اجتذاب تأييد الكثير من الناخبين المحافظين والأصوليين بفضل برنامجه الانتخابي. وجاءت نتائج الانتخابات مخيبة لآمال الكثيرين ممن سعوا لإحياء قيم العقد الأول من الثورة.

كانت هناك فترة ظلت معارضة النظام مقتصرة على الحركة الرامية لإعادة الملكية وبعض الجماعات الإرهابية. إلا أننا نشهد اليوم تصنيف بعض أقرب القوى من النظام باعتبارها معارضة. ويغفل من يقومون بذلك أن النظام من خلال فقدانه أنصاره ربما ينتهي به الحال بوجود عدد ضئيل للغاية من المؤيدين إلى جانبه.

إننا نشهد إلقاء القبض على أشخاص واتهامهم بالعمل لصالح شخصيات وقوى أجنبية. هل يعني ذلك أن حكومتنا باتت كريهة لدرجة دفعت مثل هذه الأعداد الكبيرة التي كانت في خدمة الشعب إلى الشعور بالسخط والتحول لصالح أجانب؟

وهل بات نظامنا على درجة بالغة من الضعف جعلته يخشى حتى اللون الأخضر؟ وهل بلغ به الضعف مبلغا جعله ينظر إلى المسيرات السلمية، التي لا ترفع أي شعارات، مصدر تهديد أمني؟

من ناحيتها، تدعي الحكومة أن المعارضة فقدت تأييدها الشعبي. لكن إذا كان ذلك صحيحا، لماذا لا تسمحون لهم بتنظيم مسيرات سلمية؟ حال رفع الحظر، سنكتشف سريعا ما إذا كانت المعارضة فقدت شعبيتها حقا.

في الواقع، من الطبيعي أن يتشكك الكثيرون في أن السبب الحقيقي وراء حظر المسيرات إدراك الحكومة لأن الغالبية باتت تشكل الغالبية.

لقد تكبد وطننا ثمنا فادحا جراء أحداث الشهور القليلة الماضية. إلا أنها ساعدت في الوقت ذاته على تغيير نظرة شعبنا للمشكلات الداخلية والخارجية. وينبغي أن تفكر الحكومة في مصالحها طويلة الأمد وبقائها عبر تغيير نمط سلوكها تبعا لما يتوافق مع رغبات الشعب.

*وزير الداخلية الإيراني في ظل إدارات الرئيسين هاشمي رافسنجاني ومحمد خاتمي.. ويعتبره الكثيرون أكثر القيادات شعبية داخل ما يطلق عليه «الحركة الإصلاحية» في إيران