دعونا نرتب أولوياتنا في التعلم

TT

جاءني ذات يوم أحد معارفي ليسألني:

ـ كيف يمكن للفرد أن يدير غضبه، حينما يكون في حالة توتر مع آخر، فلا يتورط في شتيمة تستوجب العقوبة؟

قلت مازحاً أو جاداً ـ لم أعد أتذكر ـ: لماذا لا تأخذها من قصيرها فتستبدل الخصومة بإعلان المحبة على ذلك الآخر؟!

فقال: ليتني استطعت فعل ذلك.

ثم راح يسرد ما جلبه على نفسه، حينما اختلف مع آخر في أحد مواقف السيارات على قضية تافهة، لتبدأ بينهما مباراة في اختبار متانة الأعصاب، والسيطرة على النفس، فاندلقت من الرجل عبارة غير لائقة، استغلها خصمه ببراعة، ودعمها بشهادة شاهدين، وكان يمكن أن يواجه الرجل عقوبة قاسية إن لم يتنازل صاحب الحق عن دعواه، فدفع الرجل ثمن غضبه رجاءات وتوسلات لدى الخصم حتى صفح عنه خصمه وعفا، وقد تعلم الرجل من ذلك الدرس أهمية البحث عن مهارات إدارة الغضب.

وللأسف ليس في عالمنا العربي ـ سريع الغضب ـ دورات تقدم تلك المهارات للناس، فتمكنهم من إدارة غضبهم بصورة راشدة، رغم أنها مهارات شائعة يمكن أن يتعلمها الفرد في الدول الغربية مكرها أو باختياره، حيث أذكر أن قاضية أميركية أصدرت ذات يوم مجموعة أحكام على متهمة اسمها «كيا ريد»، من بينها الانخراط في دورات إدارة الغضب والتنوع العرقي، والسبب توجيهها ـ في لحظة غضب ـ رسالة تهديد إلى مواطنة أميركية من أصل مصري، احتوت بعض التهديدات والسباب.

وفي ظني أن الكثيرين حول العالم يحتاجون لمثل هذه الدورات النفسية لتعلم مهارات إدارة الغضب، فالضغوطات الحياتية التي يعيشها الإنسان المعاصر جعلت البعض سريع الانفعال، حاد الغضب، زلق اللسان، حتى أن جل جرائم القتل والاعتداء، التي تسجل يوميا في أماكن كثيرة من العالم ما كانت لتحدث لو تعلم الناس مهارات إدارة الغضب، ليسيطروا على انفعالاتهم بالصورة الصحيحة.

الكثير من المعارف التي نتعلمها في المدارس هي في تقديري أقل أهمية، وأدنى قيمة من لو احتوت المناهج الدراسية على بعض الدراسات النفسية التي تنشئ الصغار على أساليب السيطرة على الذات، وإدارة الغضب، وترشيد شحناته، أليست الصحة النفسية للمجتمع أفضل كثيرا من حشو أذهان الطلاب بمواسم المطر في تشيلي، ومناطق إنتاج البن في البرازيل؟!

[email protected]