لعلها «تهيؤات» يا دكتورة!

TT

مات في هدوء وسكينة وطمأنينة، المفكر والعالم والأديب الدكتور مصطفى محمود، مات الرجل صاحب التجربة الفريدة في تبسيط أعقد قضايا العلم والفلك، وتقديمها إلى الناس في ثوب قابل للفهم والمتابعة، مات نجم الشاشة الفضية الذي ظل ينتظره الكثيرون على مدى سنوات، مات بعد أعوام من عزلة المرض، وحصار الشيخوخة، ووهن الجسد.

لم يمهله الأصدقاء والأعداء حتى يموت، فسارعوا في سنواته الأخيرة بحسن نية أو سوء نية إلى تلفيق أقوال ينسبونها إليه، لا تتفق مع مكانة مصطفى محمود العلمية، ولا مع قناعاته الدينية، وأخطر هذه الأقوال ما رددته الدكتورة لوتس عبد الكريم، ناشرة مجلة «الشموع» الثقافية، التي أشارت قبل نحو عامين لـ«العربية نت» في حوار أجراه معها الزميل الصحافي، فراج إسماعيل، إلى أن الدكتور مصطفى محمود أخبرها بأنه أقام اتصالات مع الجن، وأن صداقته للجن في فترة من حياته، كانت سببا فيما بعد في الأمراض التي عانى منها، حيث أجرى عمليات مختلفة في جميع أجهزة جسمه العليل دائما، وأن الجن عندما كانوا يقتربون منه أو يحتضنونه يسببون له آلاما انعكست على صحته، كما أشارت إلى أنه قد أخبرها باستعانته بالجن في قضاء حاجات أصدقائه من أصحاب المشكلات، ووصف لها كيف كان الجان حين يستدعيه يأتي إليه مسرعا فيبدو الممر المفضي إلى غرفته مشتعلا بالنيران، وحين يدخل إليه يحتضنه بشدة فيغمى عليه فترة غير قصيرة، وكيف كان الألم هائلا في البداية، ثم اعتاده فلم يعد يعاني من شيء، لأن الجان أصبح صديقا يفضي إليه بكل ما يريد ويحقق له ولأصحابه المعجزات!!

وكنت قد علقت في حينه على هذه المزاعم التي لا تليق أن تقال في حق عالم بقامة مصطفى محمود، فليس من المقبول عقلا، ولا منطقا أن يكون مصطفى محمود عالما ومفكرا، ومستحضرا للجن ومسخرا لهم، فمن الصعب تخيل أن هذه القامة الشاهقة يمكن أن تجمع بين العلم واللاعلم، بين الحقيقة والسذاجة.

واليوم بعد أن غادر الدكتور مصطفى محمود دنيانا كم أتمنى أن تحترم الدكتورة لوتس عبد الكريم رحيل الرجل، وتعترف بشجاعة بأن هذه الخرافات التي ألصقتها بالرجل كانت مجرد «تهيؤات»، أو أضغاث أحلام مرت بها، ولا علاقة لها بهذه القامة العلمية الشاهقة، فهل تفعل ذلك من أجل عيون هذا العالم الكبير الذي تدعي صداقته؟

[email protected]