لأول مرة: عبد الناصر!

TT

كان ذلك في مطابع «أخبار اليوم» نزل به الأستاذ محمد حسنين هيكل. فكان يناديه باسمه ويستجيب. طبيعي فهما صديقان. أما هو فرأيته قصيرا نحيفا بملابسه العسكرية. وكان يبدي اهتماما بما يرى. ولكن ليس اهتماما كبيرا. إنه فقط سعيد بأنه فاجأ العمال. ورأى على وجوههم الدهشة والإعجاب والفرحة به.. وهو لا يتكلم إنه يلوح بيده.

وينتقل من مكان إلى مكان.. وهو لا ينطق. وإنما يستمع. ولكنه لم يترك أثرا. هذا الرجل الذي صنع الثورة وطرد الملك وأصبحت مصر جمهورية. وأول مصري يحكم مصر. لا هو أبيض ولا هو أسمر. هو أسمر أصفر.. شخص عادي جدا. ليست له مزايا مختلفة لا في وجهه ولا في جسمه..

وسمعت العمال والزملاء يتحدثون عنه. يتحدثون عن المفاجأة. وأنه إنسان عادي أي متواضع بسيط. كان ذلك سنة 1952. ولم تتضح معالم (الثورة) أو (الانقلاب العسكري). ولم يظهر إلى جواره أحد. وكل الناس يعلمون أنه هو الذي كان وراء الثورة. أو هو الثورة وبقية زملائه عاديون. وإن كانوا يحاولون إثبات وجودهم بالقوة.. بالكلام أو بالأفعال. لكن لا أحد منهم فعل شيئا. وعبد الناصر هو الذي فكر ودبر.

ولم يخطر ببال أحد في ذلك الوقت أنه هو الثائر وأنه هو الزعيم. وربما كان نصيبه من الدعاية أقل من زملائه الذين ملأوا الدنيا كلاما. ورعبا أحيانا. فجمال سالم عنيف في أقواله وأفعاله. وإنه إذا صار شيئا بعد ذلك فسوف يكون شديدا. وأخوه صلاح سالم أيضا. الباقون ليس لهم وضوح. أنور السادات هو السياسي الوحيد فيهم. تآمر وألقي القبض عليه ودخل السجن وأفلت من حبل المشنقة. وهو المعروف قبل الثورة. وهو حريص على ألا يظهر في الصحف.. وأن يكون بعيدا تاركا الساحة للزملاء الآخرين.

وفيما بعد عرفناهم جميعا. وكان السادات أكثرهم حذرا. وأكثرهم حكمة أيضا..