معركة إيران في الحج

TT

ستكون أكبر غلطة ترتكبها القيادة الإيرانية إن سعت للصدام في موسم الحج المقبل، الذي بقي عليه أقل من شهر من الآن. والتصريحات الصادرة من هناك توحي بأن القيادة الإيرانية المحاصرة حاليا بالاحتجاجات في عاصمتها طهران تبحث عن معركة لنقل الانتباه الخارجي إلى مكان آخر غير طهران، وتسعى لإقناع الشعب الإيراني بأن هناك عدوا يجب أن يتحدوا لمواجهته، تريد منه تحريك الشعور الوطني والطائفي.

وسبق لإيران أن جربت مرتين بشكل مباشر استخدام الحج لافتعال الصدام، وخسرتهما معا، بما فيهما حادثة الشغب الكبيرة أمام الحرم المكي التي سقط فيها الكثير من القتلى وصبغت العلاقات الإسلامية بالدم لسنوات لاحقة. هذه المرة، ولنفس السبب القديم تريد القيادة الإيرانية معركة صاخبة عالميا، بتحويل المناسبة إلى ساحة سياسية تتحدى فيها خصومها، مستغلة بعض حجاجها نحو صدامات مع الحجاج الآخرين وقوات الأمن السعودية.

العالم الإسلامي يضج بالخلافات بين بعضه، وبينه وبين الغير. ولو فتحت مكة والمشاعر المقدسة للتعبير والصدامات لارتكبت مذابح فظيعة بتحريك من الأنظمة السياسية. وإيران تعلم أن كل الدول الإسلامية تمتنع عن تسييس الحج وترفض نقل الخلافات إليه بما في ذلك الدولة الراعية لشؤون الحج، أي السعودية التي تحجم عن استخدام المناسبة لأغراضها. وللسعودية خلافات خارجية لكن لم يحدث قط أن رفعت في مكة أو المشاعر يافطات أو صور ضد الغير، ولم ترفع أيضا شعارات تثني على مواقف السعودية، رغم ما تملكه من سلطة وحضور مباشر على الأرض. ومن صالح إيران تخليص الشعيرة الدينية من عبث السياسيين، فإيران اليوم على خلاف مع الولايات المتحدة، وهناك دول إسلامية على خلاف مع إيران، ودول إسلامية على خلاف مع روسيا، ودول إسلامية على خلاف مع الصين أو فرنسا أو سورية أو مصر أو السعودية، فهل يعقل أن تستثنى إيران بالسماح لها بأن تنشط سياسيا وتمنع البقية؟ ولو سمح لكل هذه العداوات أن تطفح على السطح، لم يعد الحج إلا شارعا من شوارع السياسة، لا مناسبة دينية يتزاحم الملايين من المسلمين لأدائها مرة في العمر.

ولو قررت القيادة الإيرانية، من خلال بعثتها أو حجاج دول أخرى، فإنها عمليا تكون قد ألّبت العالم الإسلامي ضدها الذي لن تجد فيه مكانا واحدا يتعاطف معها مهما كانت مبرراتها.

لقد مرت سنوات صعبة بين طهران والسعودية بسبب محاولات الثوار الإيرانيين استغلال الحج لأغراضهم السياسية وخلافاتهم مع السعودية وغيرها وأوصلت تلك الحوادث إلى قطيعة سياسية صعبة لم تتمكن طهران من الدفاع عن نفسها حينها، ولولا جهود هاشمي رافسنجاني، الرئيس حينها، لكانت الأمور قد تدهورت إلى ما هو أسوأ.

العالم كله يرى كيف أن القيادة الإيرانية تتجه نحو مزيد من التطرف ومزيد من ممارسة العنف داخليا وخارجيا، وهو لن يقبل تدنيس العالم أو استغلاله مهما كانت الشعارات الإيرانية. وإيران تعلم أنها لن تجد دولة إسلامية واحدة تقف إلى جانبها في هذه المعركة لو ارتكبتها وستبقى وحيدة. وبالتالي فإن كان السبب هو تخفيف الضغوط الخارجية فإن الصدام في الحج سيزيدها ضغوطا، وإن كان الهدف تخفيف الاحتقان في طهران فإن تدنيس الحج سيزيد النظام كراهية في كل مكان. باختصار ستكون حماقة أخرى على مستوى دولي كبير.

[email protected]