على خطوط الجبهة الأمامية

TT

إليك ما ستراه إذا سافرت هذا الأسبوع إلى ولايتي قندهار وهلمند، أكبر ساحتين للحرب في أفغانستان. ذلك الصراع الذي يتأرجح ما بين النجاح والفشل، حيث نشرت الولايات المتحدة ما يكفي من الجنود للقضاء على تمرد طالبان، لكنها لم تكن كافية لتأمين مراكز تجمع السكان الكبرى. وهو موقف لا تحسد عليه.

وقد قمت بزيارة لأربع قواعد عسكرية أميركية في هاتين الولايتين الأسبوع الماضي مسافرا مع الجيش، وتمكنت من سماع القادة المحليين الأفغان، وتحدثت إلى بعض المواطنين. وسأصف لكم ما شهدته، سواء بالسلب أو الإيجاب، حتى يتمكن القراء من دراسة الأدلة الميدانية. ثم سأشرح السبب وراء استنتاجي بضرورة إرسال الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مزيدا من الجنود إلى هناك.

بدأنا الجولة من مدينة قندهار في مقرات ما يعرف بالقيادة الإقليمية الجنوبية التي تشرف على المعركة في الإقليمين. وهي مدينة تقع على حافة الصحراء محاطة بالجبال الجرداء، وعلى حدودها الشرقية تقع خطوط إمداد طالبان في باكستان.

كان حلفاء أميركا من «الناتو» يديرون الحرب في قندهار، لكنهم تكبدوا خسائر كبيرة في المعدات، لذا أرسلت الولايات المتحدة فرقة من الجيش قوامها 4000 جندي بعربات سترايكر المدرعة، تمكنوا من دحر والقضاء على متمردي طالبان، الذين ردوا باستخدام المزيد من القنابل المزروعة على جانبي الطريق السريع، الذي يربط قندهار بالمدن الأفغانية الرئيسية الأخرى.

وفي اليوم الذي سبق وصولنا انفجرت قنبلة ضخمة زرعت على جانب الطريق، في أرغنداب، معقل طالبان الحصين، شمال شرقي قندهار، دمرت عربة سترايكر وقتلت سبعة جنود أميركيين، وقد ألقت تلك الخسارة في الأرواح ظلالا على زيارتي، وأبرزت كم المخاطر التي يتعرض لها الجنود الأميركيون وهم يتقدمون باتجاه العمق الأفغاني. ولسوء الحظ أصبح جنود التحالف أكثر استهدافا بالنسبة للعدو.

لا تزال مدينة قندهار غير آمنة، خصوصا خلال الليل، إذ تسيطر طالبان على المنطقة الواقعة على بعد 15 كيلومترا غرب المدينة. ورغم شن قوات التحالف غارات عقابية هناك، لكنها لا تمتلك ما يكفي من القوات للقضاء على العناصر المتمردة الموجودة فيها، وإحكام السيطرة عليها.

وتمثل مدينة سبين بولداك، في إقليم قندهار، على الحدود مع باكستان، قصة نجاح أميركية حيث قامت فرقة سترايكر ببعض مشروعات التنمية الاقتصادية هناك، وأظهر استفتاء للرأي، أجري مؤخرا، قلق السكان بشأن الماء النظيف أكثر من الأمن. لكن طالبان تواصل تهريب مقاتليها وإمداداتها عبر الطرق الجبلية الوعرة شمال وجنوب سبين بولداك، تلك البقعة الصغيرة التي استطاعت القوات الأميركية تحقيق تقدم فيها. أما في إقليم هلمند إلى الغرب من أفغانستان فتتكرر القصة ذاتها.

قمنا بزيارة معسكر ليزرنك، حيث يتمركز 10000 جندي من مشاة البحرية الأميركية بالقرب من لاشكر غاه، عاصمة الإقليم. وقد أسهمت الزيادة في إعداد قوات «المارينز» التي بدأت العام الماضي في تحسن الأمن في مقاطعتي غارمسير وناوا بصورة كبيرة. غير أن طالبان تتمركز في مقاطعة مارجا، معقلها الحصين في وسط هلمند، ويتطلب تحرير المدينة من مقاتلي طالبان 2000 جندي إضافي، وهو ما يفوق سقف القوات الأميركية الحالية، لذا فإن مارجا تظل، بحسب قول أحد الضباط الأميركيين: «غدة سرطانية وسط خطوطنا. ولا يمكننا العمل في مارجا بما نملكه من قوات حالية».

وقد تبنى جنود «المارينز» في هلمند أساليب التمرد لكي يصادقوا ويحموا السكان المحليين، مثلما فعلت القوات الأميركية الأخرى في باقي أنحاء أفغانستان. فهم يحملون الأموال لشراء الصودا والطعام من الأسواق المحلية، كما يعملون مع الحكومة الإقليمية والقادة المحليين لتقديم خدمات للأفراد. وقال لي عميد مشاة البحرية الأميركية، لاري نيكلسون: «لقد اشتريت رمانا أكثر مما تتخيل».

لا يزال من المبكر جدا التأكد، لكن هذه الاستراتيجية من مصادقة الأفغان يبدو أنها تساعد كثيرا، وقال لي حاكم الإقليم، غولاب مانغال: «تحسن الأمن في بعض المناطق من هلمند أكثر مما كان عليه قبل عقد. ونحن في حاجة إلى الأميركيين في الوقت الراهن».

إذن ما الذي يجب أن يفعله الرئيس أوباما؟ أعتقد أن عليه أن يرسل المزيد من الجنود لاستكمال المهمة التي وافق عليها في مارس (آذار) للقضاء على المكاسب التي حققتها طالبان والمساهمة في تحسين الأمن في المدن الأفغانية الكبرى. ولا أعلم ما إذا كان العدد الكافي لتلك المهمة هو 40000 جندي، كما أوصى الجنرال ماككريستال، لكني أعتقد أن هذا أقل رقم تحتاجه البلاد هناك. سوف تأتي زيادة القوات على حساب ثمن سياسي باهظ سواء في الداخل أو الخارج.

لا يكمن الهدف في نقل طالبان إلى القرن الحادي والعشرين، وإنما كسب ما يكفي من الوقت حتى تتمكن القوات المسلحة والحكومة، في البلاد، من خوض معاركهم بأنفسهم. وبعد عام من الآن ربما تبدو هذه مهمة مستحيلة، لكن الأدلة التي شاهدتها في قندهار وهلمند تشير إلى أن الخطأ في عدم اغتنام الفرصة.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»