لا يزال بإمكاننا إنقاذ كوكبنا

TT

فيما يلي نبأ سار على الصعيد المناخي: نجح الأوروبيون في تعزيز أهدافهم على صعيد الحد من انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، في الوقت الذي بدأ الصينيون يبدون جدية حيال استغلال الطاقة الشمسية وترشيد استهلاك الطاقة. أما واشنطن، فتتحرك، وإن كان بخطى متثاقلة، نحو إقرار حد أقصى لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون المسموح بها.

وتعد تلك خطوات نحو الهدف القائم منذ أمد بعيد: تقليص التلوث المسبب لارتفاع درجات حرارة الأرض بنسبة 80% بحلول عام 2050. ومن شأن إجراءات الخفض تلك تحقيق استقرار في سمك الطبقة المكونة من ثاني أكسيد الكربون الحابسة للحرارة المحيطة بكوكبنا عند مستوى 450 جزيئا للمليون، وحسب تأكيدات العلماء، فإن هذا المستوى يضمن عدم تجاوز الزيادة في متوسط درجة حرارة الأرض عن درجتين سيليزية (3.6 درجة فهرنهايت) عن مستوى عام 1990. أما الأنباء السيئة فتتمثل في أن مستوى 450 جزيئا للمليون كان قائما عام 2005.

الملاحظ أنه على امتداد السنوات الأربع الماضية، أقدم علماء المناخ، بقيادة جيمس هانسين من وكالة «ناسا»، على إدخال تغيير دراماتيكي على الأهداف المحددة فيما يتعلق بتقليص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، حيث يؤكد كثير من العلماء في الوقت الحالي على أنه من أجل تجنب انهيار الكتل الجليدية في قطبي الأرض وحدوث ارتفاع خطير في مستويات مياه البحار، يجب النزول بهذا الهدف إلى مستوى 350 جزيئا للمليون، وبسرعة.

ويعني ذلك أن ما بدا هدفا بطوليا ـ بل ومستحيلا من وجهة نظر البعض ـ تحقق بالفعل. أما الوصول إلى هدف 350 جزيئا للمليون فيتطلب تقليص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 97%، ما يستلزم بالضرورة تحولا كاملا إلى الأنظمة المعتمدة على موارد الطاقة المتجددة بحلول منتصف القرن الحالي، وبناء اقتصاد عالمي خال تماما من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. الملاحظ أن هذا الهدف ينطوي على قدر أكبر بكثير من الصعوبة من أي من المقترحات الكبرى التي تجري مناقشتها حاليا على هذا الصعيد. لكن هل يعني ذلك تلاشي الأمل؟

لا. إن الوقت الراهن مناسب تماما لإعادة التفكير بشأن ما يمكننا تحقيقه. يرى البعض أن ما يثير القلق حيال التغييرات المناخية أن تكلفة الحيلولة دون وقوعها باهظة للغاية. في الواقع، لا تزال تقديرات التكلفة المحتملة للتحرك نحو تخفيف حدة ارتفاع درجات حرارة الأرض مستقرة نسبيا، بينما باتت تقديرات تكلفة عدم التحرك على هذه الجبهة باهظة على نحو يتعذر تحمله. وبغض النظر عما إذا كان الهدف المنشود 450 أو 350 جزيئا للمليون، تبقى تلك مشكلة بمقدورنا تسويتها. الواضح أن وقف ارتفاع درجات حرارة الأرض لا يزال في جوهره مشكلة تتعلق في المقام الأول بالإرادة السياسية.

نحن من بين ثمانية علماء شاركوا في وضع تقرير مؤخرا لصالح «إكونوميكس فور إكويتي» و«إنفيرومنت نت وورك»، اللتين تتبعان منظمة «إكوترست» غير الهادفة للربح. وقد اعتمد التقرير على دراسة مسحية لكثير من الدراسات الاقتصادية حول تكاليف الوصول إلى هدف 350 جزيئا للمليون. وخلصنا إلى أنه كلما جاءت الإجراءات الرامية لتحقيق أهداف أكثر طموحا في وقت أسرع، فإن تكلفتها الاقتصادية تكون معقولة. ويكشف تقريرنا أن إقرار استراتيجية عالمية شاملة في هذا الشأن يقع في النطاق المالي لما أبدت غالبية الدول استعدادها لدفعه لتجنب التعرض لأضرار أكبر جراء التغييرات المناخية خلال الفترة القادمة. بناء على استثمارات تتراوح بين 1% و3% من إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد العالمي، أو ما يتراوح بين 600 مليار و1.8 تريليون دولار، باستطاعتنا الانتقال سريعا من حقبة الاعتماد على النفط والفحم إلى الاعتماد على مصادر طاقة متجددة ونظيفة، بما في ذلك الرياح والطاقة الشمسية، وإعادة بناء الغابات، الأمر الذي سيساعد في التخلص من مليارات الأطنان من الانبعاثات الكربونية. ومن شأن هذه الجهود خلق وظائف وتحقيق الاستقرار على الصعيد المناخي. في الواقع، إن التقلبات أو التغيرات في بعض العناصر، مثل أسعار النفط، تعني أن هذه الاستثمارات ربما توفر علينا فعليا بعض الأموال.

بالنسبة للبعض، قد يبدو ما بين 1% و3% من إجمالي الإنتاج الاقتصادي العالمي سعرا فادحا، لكن علينا تفحص هذه النسبة في إطارها الصحيح. فلنفترض، على سبيل المثال، أن تكلفة جهود الحماية المناخية اتضح أنها 2.5% من إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد العالمي. داخل اقتصاد مثل الاقتصاد الأميركي الذي ينمو بمعدل 2.5% تقريبا سنويا، يكافئ إنفاق 2.5% من إجمالي الناتج المحلي على الحماية من التغييرات المناخية سنويا تنحية النمو الاقتصادي في أحد الأعوام جانبا ثم استئنافه مجددا، بمعنى أن الأميركيين عام 2050 سيتعين عليهم الانتظار عاما واحدا إضافيا، أي حتى 2051، قبل الوصول إلى مستوى الثراء الذي كانوا سيحققونه حال عدم استثمارهم في جهود الانتقال إلى حقبة جديدة تقوم على الطاقة النظيفة.

دعونا ننظر إلى مثال آخر: الإنفاق العسكري يتجاوز 4% من إجمالي الناتج المحلي داخل كل من الولايات المتحدة والصين. ونظرا للمخاوف حيال الأخطار المستقبلية المحتملة، شرعت الدولتان في التحول بالفعل بعيدا عن الاستهلاك السنوي المرتفع بدرجة أكبر عما تقتضيه أعلى التقديرات لما يتطلبه وقف ارتفاع درجات حرارة الأرض.

من جانبها، أشارت جماعات الضغط المعنية بالنشاط التجاري إلى أنه حتى إجراءات الخفض المتواضعة التي جرت الدعوة إليها في التشريع الأميركي الأخير المعني بالمناخ والطاقة ستغل يد الاقتصاد. إلا أن أبحاثا أكاديمية ونتائج خلص إليها «مكتب الكونغرس لشؤون الميزانية» و«وكالة الحماية البيئية» تكشف أن المقترحات التشريعية الأميركية الأخيرة ستترك تأثيرات سلبية ضئيلة للغاية، حال تركها أي من هذه التأثيرات من الأساس، على الاقتصاد الأميركي. وقد تفحص تقريرنا سالف الذكر دراسات اقتصادية حول تكاليف تحقيق الهدف الأكثر طموحا المتمثل في 350 جزيئا للمليون وتوصل إلى أن ذلك ستترتب عليه مجمل تكاليف عالمية متواضعة.

وستحدد سرعة تحولنا إلى الطاقة النظيفة ما إذا كنا سنحقق هدفنا المنشود (أيا ما كان مستواه) أم سنخفق في ذلك. قطعا، سيترتب على الإخفاق في إبطاء ووقف ارتفاع درجات حرارة الأرض تكاليف فادحة على امتداد الأجيال المستقبلية. وقد بدأ العالم بالفعل اتخاذ خطوات مبدئية مهمة نحو تناول الأزمة المناخية، خطوات تحظى بقبول واسع ومتزايد. ومن أجل تجنب ارتفاع درجات الحرارة على نحو خطير أو التأثيرات المترتبة عليه، علينا إنجاز هدف أفضل من 450 جزيئا للمليون. من حسن الحظ، توحي البيانات المتوافرة بأن في استطاعتنا بلوغ ما هو أفضل من هذا الهدف. أما ما نعجز حقا عن تحمل تبعاته فهو بذل قليل من الجهود على الصعيد المناخي، أو التحرك بعد أن يفوت الأوان.

*إبان غودستين خبير اقتصادي وبروفسور لدى «بارد كوليدج».

*فرانك أكرمان خبير اقتصادي لدى «معهد استوكهولم البيئي» وجامعة «تفتس».. وهو رئيس مجموعة المؤلفين التي وضعت التقرير الصادر مؤخرا.

*كريستين شيران مدير تنفيذي لدى «إكونوميكس فور إكويتي» و«إنفيرومنت نت وورك» وهما يشكلان مجموعة من الخبراء الاقتصاديين من مختلف أرجاء البلاد ينصب اهتمامهم على السياسات البيئية.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»