لثاني مرة: عبد الناصر!

TT

كان عبد الناصر قد أمم الصحافة. الصحافة كلها ملك الدولة. واشتدت الرقابة. وصارت خانقة. إرهاب حقيقي. فأنت خائف إذا كتبت. خائف إذا لم تكتب. خائف من الرقابة عليك. أنت وزوجتك وأولادك. فالخوف عام. يصيب الجميع. حتى الذين لا أهمية لهم خائفون.

وطلب عبد الناصر أن يلتقي رؤساء تحرير الصحف. في ذلك الوقت من سنة 1961 كنت رئيس تحرير مجلة «الجيل». وكانت المجلة قد مشت في الخط. وتغيرت ملامح المجلة، فلا فتيات جميلات وإنما عاملات بأشكالهن التي ليست فيها أناقة ولا جمال. صارت المجلة كئيبة. الخوف هو السبب.. ثم إننا لا نعرف ماذا نقول وماذا لا نقول. فنحن في خوف من الرقيب الذي هو موظف صغير عنده تعليمات.. الخوف من أن يحذف ويشطب، وعلينا أن نطيع وإلا تعطلت المجلات والصحف عن الصدور.

وذهبنا للقاء عبد الناصر مثل تلامذة ساقطين في لقاء وزير التربية والتعليم. وكل واحد يتذكر أخطاءه أو الأخطاء التي حسبوها عليه. لا بد أن يكون لهذا اللقاء الهام سبب وجيه من التكدير والعقاب..

وقبل أن نجلس قابلني الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس تحرير «آخر ساعة» وقال: يجوز الرئيس عبد الناصر يسألك عن تحضير الأرواح الذي نشرته في مصر. لا ترد. تسكت.

وجلست وراء الأستاذ فكري أباظة وتواريت حتى لا يراني عبد الناصر وقد تغيرت ملامحه تماما. يبدو أطول، أكثر امتلاء.. وأرى عينيه تبرقان في حدة. أو هكذا رأيناه. وجلسنا في خوف رهيب أو في صمت ورهبة. ولم نعرف ماذا عساه أن يقول. وقال وتناول بالنقد مجلة «روزاليوسف» والكاريكاتير وقال: إحنا ما عندناش في مصر عشاق في الدواليب أو تحت السرير. مفيش في مصر حاجات من دي..

ووقف مصطفى أمين يرجو الرئيس أن يكون اسم «الأخبار» هو «أخبار اليوم».. لأن عبد الناصر طول الوقت يتكلم عن صحيفة «الأخبار». فخشي مصطفى أمين أن يكون هذا اسمها. وإنما أراد أن يكون اسمها «أخبار اليوم».. وانتهى الاجتماع..