وداعا مصطفى محمود!

TT

يقول المثل القديم المعروف «كل شيخ وله طريقه»، وهذا صحيح ولا شك فهناك من المشايخ والدعاة من عرف عنهم الجدية والصرامة، وآخرون عرفوا بخفة الدم وبحبهم للتعليقات الساخرة واللاذعة، ولعل مما يروى هنا من طرائف ومواقف مضحكة لبعض المشايخ يستحق التمعن، فالشيخ الشعراوي كان قد دخل لأحد المطاعم في فندق بالقاهرة فقامت إحدى السيدات وقالت يا شيخ: أنا من المتابعين لك وإني أحبك هل تسمح لي بأن أقبلك يا شيخي؟ فأجاب «ما ينفعش يا ستي نحنا المشايخ إذا حيينا لازم نحيي بتحية أحسن منها». وهناك موقف آخر للشيخ محمد كشك حينما قام ليؤم الناس في الصلاة وأبلغ أن المسجد في حالة ازدحام شديد، فقال بصوته الجهوري العالي «لو سمحتم رجالة المباحث يرجعوا للصف الثاني عشان يوسعوا للناس». وأخيرا هناك موقف لطيف للشيخ عبد الله المطلق المعروف بتعليقاته المحببة للناس، وهو الذي جاءه سؤال في الراديو يسأله المتصل «يا شيخ هل أكل لحم طائر البطريق حلال؟» فأجاب الشيخ المتصل وهو يضحك «إذا وجدته فكله!».

مصطفى محمود الذي رحل عن دنيانا منذ أيام كان جادا في تعاطيه مع المسائل الدينية اختار عنوان «العلم والإيمان» كأسلوب دعوي مميز ومختلف ودخل في هذا الخط قبل مهرجان الإعجاز الإعلامي الذي دخل فيه الكثيرون بشكل واضح. سيرته الذاتية مثيرة فيه جوانب تدعو إلى الإعجاب وهي تصور رحلته من أقصى مراحل الشك والقلق والاضطراب كعالم هزه بعنف السؤال عن الغيب والمنطق وماهية الكون وكيفية خلق الإنسان وسبب وجوده وعندما جاءه اليقين امتلأ قلبه بالإيمان وتحول خطابه إلى نموذج دعوي مسؤول يقدم جواهر العلوم من جيولوجيا وفضاء وفلك وطب وزراعة بشكل شعبي ومبسط ليصبح «نجما» تلفزيونيا فريدا من نوعه وهو لم يكن بالشاب الأنيق ولا بهي الطلعة ولا بالخطيب الملهم ولا بالحكواتي الفذ، كان متمكنا من مواضيعه وغزير الثقافة والإلمام بما يقول وأبدع في كتاباته وتحليلاته التي أقبل الناس عليها بنهم شديد، فكل كتاب يشكل عنوانا مركزا عن فترة دقيقة في حياة الرجل ويتعمق في هذه المرحلة، وبعد أن سقى الناس أكواب العلم والإيمان انتقل وبتركيز جميل إلى العمل الخيري التطوعي لينشئ جمعية مركز مصطفى محمود والذي هو عبارة عن مسجد ومدرسة ومركز طبي، الخدمات فيها تقدم بالمجان للمحتاج ومع مرور الوقت تحول المسجد والمركز إلى أحد أهم معالم القاهرة، مقصد للمحتاج وظل يسكن مصطفى محمود نفسه في شقة متواضعة ملحقة بالمركز يتابع احتياجاته وطلباته. تعب جسده وأنهكت صحته في السنوات الأخيرة ولاحقته إشاعات مغرضة أساءت إليه، ولكن محبيه كانوا أول المدافعين عنه بقوة حتى أنهكه المرض ولقي ربه بعد حياة طويلة مليئة بالعمل والعلم والإيمان والخير. رحم الله الدكتور مصطفى محمود رحمة واسعة وجزاه الله خيرا على ما سن من سنة حسنة علم وعمل وايمان بلا إرهاب ولا تطرف ولا سياسة. لم يعتقد يوما أنه أعلم ولا أفضل من غيره، لم يحكم على أحد بناء على هيئته أو شكله أو لبسه أو طريقة كلامه، ولكنه ترك كل هذه الأمور للخالق عز وجل وهو ما يجب عمله. مصطفى محمود كان لأجيال كثيرة من الناس كان الرفيق والأستاذ وهو حتما ترك فراغا في قلوب محبيه نسأل الله له الرحمة والجنة.

[email protected]