14 آذار.. وجنبلاط: إلى أين؟!

TT

هناك قول شائع في جبل لبنان: «ابقاش بدها قوموا تنهني». وهو يترجم، باللغة العربية الفصحى: «ماذا ننتظر، (نحن المعارضين أو المترددين)، لكي نقصد مقر الحاكم الجديد، ونقدم له التهاني والطاعة؟».

ويتساءل اللبنانيون، بعد استمرار الزعيم الدرزي الاشتراكي، وليد جنبلاط، في إدارة سيارته السياسية باتجاه دمشق، عمن ربح الانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان؟ وماذا تبقى من فريق 14 آذار وثورة الأرز بعد ابتعاد جنبلاط عنها، وتقاربه من أحزاب 8 آذار؟

قد يكون لوليد جنبلاط أسبابه المذهبية أو الأيديولوجية، أو دوافعه الوطنية أو الإقليمية أو الدولية، أو مصلحة شخصية، باختياره طريقه السياسي الجديد، والابتعاد عن حلفاء الأمس القريب والانضمام تدريجيا إلى جبهة الرفض والممانعة. ولم يبق لاستكماله، سوى زيارة دمشق. وكثيرون هم في لبنان وخارجه الذين يتفهمون بعض أسبابه ودوافعه، أو يشاركونه في اعتبار سوريا «معبر لبنان نحو العروبة» وفي الالتزام بالقضية الفلسطينية، كإحدى مقومات الوطنية والقومية. ولكن هل كان فريق 14 آذار وأحزابه رافضين أو معارضين لهذه الخيارات الوطنية والقومية؟ وهل الأحزاب العقائدية القومية والاشتراكية، وحدها، هي التي يرتاح جنبلاط إلى مجاورتها؟ أم هل المطالبة بعلاقات أخوية وندية مع سوريا، بات يترجم عداء لها؟ وهل بسط سلطة الدولة على كل أراضيها والالتزام باتفاقية الهدنة واحترام القرارات الدولية، يعني التخلي عن القضية الفلسطينية؟ والخضوع للولايات المتحدة والدول الغربية؟

لقد تحدث جنبلاط، في زيارته التصالحية الأخيرة في بلدة صوفر، بحنين عن مرحلة نضاله مع الأحزاب والقوى القومية والتقدمية في الثمانينات. كان، يومذاك في عز شبابه واندفاعه. وكان هناك احتلال إسرائيلي للبنان، وكانت معالم الخيارات الوطنية أكثر وضوحا. ولكن كثيرا من الأمور تغيرت في السنوات الثلاثين الأخيرة. في لبنان والمنطقة والعالم. سقط الاتحاد السوفياتي وتراجعت الاشتراكية، كعقيدة سياسية واقتصادية، ودخلت الثورة الإيرانية إلى لبنان، عقائديا وسياسيا وحزبيا وعسكريا، عبر حزب الله، وبقوة. والسؤال الحقيقي المطروح، بعد انعطاف جنبلاط، هو: هل هذا «الانقلاب» منطلق من واقعية سياسية مستندة إلى قراءة جديدة للتغييرات التي طرأت على المنطقة وسياسة الدول الكبرى فيها؟ أم إن منطلقاته هي شخصية وسياسية وتكتيكية ومذهبية وداخلية، فقط؟ وغايتها الرئيسية منع حصول 7 أيار جديد؟

لا خلاف على أن قيام علاقات طبيعية وودية وأخوية بين لبنان وسوريا، هو في مصلحة لبنان. وزيارة سعد الحريري ووليد جنبلاط إلى دمشق، بل كل مسؤول أو سياسي لبناني، وإلى أي عاصمة عربية أو إسلامية، هي من الأمور المرغوب فيها. ولكن تسهيل هذه الزيارات ـ وبالتالي تطبيع وتحسين وتعزيز العلاقات ـ بين لبنان وسوريا، هو في يد دمشق، وليس في يد بيروت. فبدلا من أن يكون لسوريا حزبها أو أحزابها في لبنان، تضمن بواسطتها مصالحها، قد يكون من الأفضل لها وللبنان، أن تتعامل مع اللبنانيين، كدولة مستقلة وكشعب سيد مستقل، وبشكل يفتح لها في قلوبهم، مكانا دافئا ومكانة محببة. وذلك لا يتطلب أكثر من معاملة ود واحترام وندية.

إلى أين، يمضي وليد جنبلاط؟ وإلى أي مدى سيذهب في ابتعاده عن 14 آذار وانضمامه عقائديا وسياسيا إلى أحزاب 8 آذار؟ وحده وليد جنبلاط يستطيع الإجابة. وهل يبقى فريق 14 آذار، كتلة سياسية متراصة الصفوف وموحدة الكلمة؟ هذا ما يؤمله المليون لبناني الذين نزلوا إلى ساحة الشهداء، أكثر من مرة، في الأعوام الأربعة السالفة، ليعلنوا تمسكهم بالاستقلال والسيادة والوحدة الوطنية. وهذا ما كرسته الانتخابات العامة في عام 2005 وعام 2009.

إلا أن كثيرا من المياه جرت وستجري تحت أقدام اللبنانيين، ولا سيما زعماءهم وأحزابهم. مياه دولية وإقليمية ووطنية. ولا يكفي أن يعرف اللبنانيون موسما سياحيا ناجحا، ولا أن يدخلوا موسوعة «غينيس» بأكبر طبق للحمص والتبولة، ولا أن ينقل زعماؤهم نزاعاتهم من الشارع إلى مجلس الوزراء في حكومة الاتحاد الوطني المنشودة.. لكي «يناموا على حرير» ويطمئنوا إلى مصيرهم. فلكي تصبح طريق دمشق ـ بيروت، مفتوحة على الخطين ـ وتلك أمنية الجميع ـ يتطلب الأمر عودة ثقة اللبنانيين ببعضهم البعض، وتخلي بعض دول المنطقة عن التحكم بالمصير اللبناني.

ولا يزال أمام جنبلاط وفريقي 14 آذار و8 آذار، أشواط وأشواط للمناورة والمجابهة.