من يسمع أنيني؟!

TT

في سيرته التي تحمل عنوان: «كما أراها»، كتب الملياردير «بول غتي» ما يلي: لو أن ثروة العالم وُزعت على سكانه في الساعة الثالثة من عصر أحد الأيام، ففي الثالثة والنصف ستكون هناك اختلافات ملحوظة بينهم، وذلك أن عددا من البالغين سيفقد حصته في نصف الساعة الأولى، وفي الوقت نفسه سيخسر آخرون حصتهم عن طريق المخاطرة أو المقامرة، عبر تعرضهم للخداع أو السرقة، وهذا مما يجعل فئة من الناس أغنى من سواها.

ولسوف تتأكد الفوارق بينهم مع مرور الأيام، حتى تصبح ضخمة جدا بعد تسعين يوما فقط، وسيعود الاختلاف بين أوضاع الناس إلى ما كان عليه قبل توزيع الثروة، سواء سمينا الثروة نتيجة «للقسمة والنصيب»، أو «للحظ»، أو «للقانون الطبيعي»، ولكننا في النهاية سوف نجد على الدوام أناسا يتمتعون بها أكثر من سواهم.

انتهى كلام «بول غتي» ذو الوزن الثقيل، ليبدأ كلامنا ذو الوزن الأخف من الخفيف، ونحن نعترف له بكل ما توصل إليه من نتائج وحقائق، مع حقنا في استعمال «الفيتو» قليلا.

الناس بطبيعة الحال يختلفون شكلا ومضمونا، فالمزايا ليست واحدة، والمواهب ليست واحدة، حتى العزيمة ليست واحدة. كل هذا معلوم ومفهوم ويكاد يكون مسلما به، وقد لا يكون لدينا نحوه اعتراض كبير، اعتراضنا فقط ينصبّ على وضع «الحواجز» في طريق السائرين، أو «أكل» جهودهم وعرق شقائهم دون وجه حق.

هذه هي المعضلة الكبرى والأليمة في حياة «الإنسانية»، أما الاختلاف والتباين والفروقات فما فيها «طقة عصا»، وليس هناك من يستطيع أن يمحوها لا «بجرّة قلم»، ولا «بقذيفة مدفع».

ومن نقاط ضعف النظرية الشيوعية التي أصابتها بمقتل، إصرارها على محو الفوارق التي لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال، وكانت النتيجة أن «سوس التناقض» قد نخر في أساساتها من الداخل فتهاوت في النهاية بشكل سريع رغم صمودها أكثر من 70 عاما.

أقول هذا الكلام وأتحفّظ بكل ما أستطيع ضد الرأسمالية «المتوحشة»،

وضد «سرطان» المجتمع ـ وأقصد به: الآكلين «للمال السحت» ـ،

وضد من يستغلون مواقعهم للإيقاع بكل طيب أو ساذج. صحيح أن القانون لا يحمي المغفلين، ولكنه يجب أن يتصدى كذلك لكل الأذكياء من الأفّاقين.

إن قتل الإنسان أحيانا بشكل سريع، أرحم من انتزاع أحشائه وأعضائه بالتقسيط.

ما أقسى أن يقبع الإنسان مكسورا ومدحورا ومظلوما، في مجتمع يسرع ويتكالب ويحث الخطوات دون أن يلتفت له أحد، أو يسمع أنينه أحد.