مدن فسيحة

TT

كنت أشعر عندما أطأ الأرض في كندا أنني جئت بلدا فسيحا ووطنا رحبا. لن يسألك أحد هنا لماذا جئت، فهو بلد حاضن يأتي إليه الناس من جميع الأمم. ولن يطلب منك أحد أن تتهجّى اسمك فهو، على رنته الغريبة، أكثر سهولة من اسم جارك البولوني، السيد زيروكولوفسكي. إنه بلد للبسطاء وللغرباء. الحاكمة الحالية من هايتي والحاكمة السابقة ذات ملامح صينية. وأرضه شاسعة وباردة وفيها متسع بلا حدود. ولكن الأكثر رحابة هو قلوب الكنديين وصدورهم. فلا معنى لسعة الأرض إن كانت الصدور ضيقة.

طبعا كانت كندا عندما هاجرنا إليها أوائل السبعينات أكثر رحابة وبساطة. لم يكن قد أثقلت عليها أعداد المهاجرين وتكاثر حملة البارود المفخخ. ولا أبناء السيخ الذين نسفوا طائرة هندية في الجو وذهبوا إلى مكاتبهم. كأنهم لم يكتفوا باغتيال أنديرا غاندي برصاص في الظهر وهم من حراسها. أي رجل هذا الذي يطلق النار على امرأة من الظهر وهو مؤتمَن على حراستها؟ ويوم اغتال سيخ آخرون راجيف غاندي كتب أحمد بهجت في «الأهرام»: أي نوع من المجرمين هو هذا الذي يغتال رجلا طيبا مسالما ليس من نقطة دم على يديه سوى دمه، فيما يظل عتاة العالم ينكلون في البسطاء والطيبين؟

كندا تشعرك، أو كانت، أنها أرضك. أو أكثر. فكم من مرحلة تشعر أنك غريب في لبنان أو خائف أو مظلوم. وهذا شعور لن تعرفه في كندا. قد تعرفه في نيويورك أو في باريس وحتما في معظم المدن العربية.

لقد اضطهدت لندن بعض أشهر كتاب الإنكليزية لأنهم كانوا يرطنون في الكلام. عاشوا والإنكليز يسخرون من لهجتهم الغريبة وماتوا وقد أصبحوا من مشاهير أدباء اللغة، ولعل أهمهم جوزف كونراد.

باريس أكثر انفتاحا، يمكن أن يحصد الشهرة رجل باسم أمين معلوف أو الروماني إيونيسكو أو الأفريقي ليوبولد سنغور. في أميركا كان المهاجرون يغيرون أسماءهم، أحيانا على نحو مضحك. موسكو زعَّمت على الكرملين ستالين الذي من جورجيا وخروشوف الأوكراني وميكويان الأرمني، لكن الشرط كان أن تكون شيوعيا. كل العالم يذهب إلى كندا آملا برحابتها، إلا أهل كيبك، لا يكفون عن طلب الانفصال.