الثأر.. أم العدالة؟

TT

ليس بديهيا فهم أوجه العنف الضاربة في العراق ونسبتها إلى إرهاب واحتلال وسياسة فقط.

في حالات ليست بقليلة يبدو هذا العنف مجرد قسوة بينية خالصة من التبسيط جمعها في خانة واحدة. فإن كان العنف المتمثل بالتفجيرات الدامية رسائل سياسية محلية أو إقليمية أو عنفا طائفيا ومذهبيا خالصا فكيف يفسَّر العنف الذي يطال أفرادا على نحو بات ممنهجا وموغلا في قسوته!

أن يجد المرء في بعض المحال البغدادية أقراصا مدمجة لمشاهد قتل وذبح حقيقية بصفتها إحدى مواد الاستهلاك العام ليس بالأمر العادي.. يبدو أن ثقافة العنف ستبقى في العراق طويلا خصوصا أن العنف السياسي أفرخ عصابات إجرامية قادرة وهي باشرت فعلا القيام بأفظع الارتكابات.

لن أتناول في هذه الزاوية جرائم الشرف أو التصفيات الجسدية وحالات الاختفاء والتعذيب ومطاردة المثليين وقتلهم على سبيل المثال. لنحصر النقاش في ظاهرة لا يمكن التغاضي عنها وجعلها من عاديات العنف اليومي. إنه العنف الذي يطال أطفالا في ظاهرة باتت تقلق العراقيين خصوصا في بغداد وهي خطف الأطفال وفي أحيان كثيرة قتلهم..

تقول الأرقام الرسمية إن هناك 265 حالة خطف أطفال هذا العام وحده فيما ترى المنظمات المدنية أن الرقم يفوق الـ900. في بغداد ينتظر أن ينفذ حكم الإعدام علنا في الشارع بحق قاتل عمد إلى خطف طفل لم يتجاوز الحادية عشرة هو منتظر الموسوي وقتله وتذويب جثته بالأسيد في جريمة مروعة بالغة الوحشية وقعت الشهر الماضي..

هذه الحادثة سبقتها حوادث مماثلة منها ما وصل إلى نهاية سعيدة بعودة الأطفال المخطوفين ومنها وما انتهى على نحو بالغ القسوة كما حدث مع الضحية منتظر الموسوي. المفارقة أن تفاصيل تتعلق بمأساة منتظر ومآسي عوائل عراقية أخرى يمكن تقصّيها ليس عبر وسائل إعلام عراقية. التحقيقات الأبرز لتلك الحوادث هي عبر صحف غربية مثل «التايمز» أو عبر صحافية سويدية عمدت إلى التنكر قبل أسابيع وأجرت تحقيقا استقصائيا عن ظاهرة خطف الأطفال وبيع أعضائهم ووثقت تلك الممارسات بوقائع اختبرتها بنفسها.

الإعلام العراقي المشغول بالتفجيرات الأخيرة وبالانتخابات العامة المقررة بعد نحو الشهرين لم يعطِ هذه الظاهرة الحيز الذي تستأهله وهو اكتفى في أحيان كثيرة بنقل تحقيقات «التايمز» ووسائل إعلام غربية أخرى وبعض التعليقات السريعة.

إلى جانب البعد الإنساني الخالص في ظاهرة خطف وقتل الأطفال والتي لم تلقَ موقعا في الاهتمامات العراقية، يبرز أسلوب المعالجة الذي لا يقل خطورة. فقد انصاعت بلدية بغداد لغضب عشيرة الطفل الضحية وأعلنت أن الإعدام للقاتل سيكون في ساحة عامة كي تهدأ نفوس ذوي الطفل المغدور وهي بذلك تكون أول عملية إعدام علني منذ سقوط صدام حسين..

صحيح أن الكائن البشري ليس كائنا وديعا في الأساس وأن مسار الحضارة يقوم على تهذيب العنف وضبطه وإعادة توجيهه وقهره، لكن الصحيح أيضا أن هذا العنف يتسلل إلى كل مكان والإعدام العلني على الطريقة التي كرسها صدام حسين تبدو طقسا ثأريا عشائريا وليس عدالة ينشدها الضحايا.

diana@ asharqalawsat.com