كبير الكبار

TT

«فلندفن الحقد والثأر». هذه هي الجملة التي قالها غسان تويني فوق جثمان ابنه البكر جبران، الذي اغتالته سيارة مفخخة وهو ذاهب إلى مكتبه في «النهار». وقد تحولت الجملة إلى عنوان لكتاب بالفرنسية صدر أخيرا في باريس، يروي للمرة الأولى، السيرة الذاتية لعملاق من عمالقة الصحافة العربية وصحيفة تمثل منذ ثلاثة أرباع القرن، الحرية والتجدد والتعدد والرقي.

يحكي غسان تويني ملحمة من الملاحم الإنسانية: كيف فقد طفلته في المرض، ثم زوجته، ثم فقد ابنه مكرم في حادث سيارة، وأخيرا ابنه البكر، الذي احتل مكان والده في رئاسة تحرير «النهار» وفي المقعد النيابي عن بيروت. يروي كيف أصبح نائبا وهو بعدُ في الثانية والعشرين. وكيف صار وزيرا وكيف أصبح مندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة، حيث استحصل على القرار التاريخي الرقم 425 حول انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان.

لا أعتقد أن في لبنان سيرة مشابهة، لا في الصحافة ولا في السياسة. ولا أعرف كم هم الرجال الذين في شجاعته الشخصية والأدبية. لقد واجه كصحافي أعتى العهود. ودخل السجن مرات عديدة. وخاض معارك سياسية مع العسكر والمخابرات. ولم يحنِ الرجل رأسه وإن كانت المآسي الشخصية المتلاحقة قد أحنت ظهره وأثقلت على صدره.

«فلندفن الحقد والثأر» ملحمة حب، لزوجته الأولى، الشاعرة الرائعة ناديا محمد علي حمادة، ولأولاده، ولزوجته الثانية، شادية، التي جاءت تشاركه هذه الأحمال والآلام، التي تملأ البيت والحديقة، حيث دُفنت زوجته وابنته نايلة، التي توفيت في السادسة وهي تبكي هاتفة «بابا لا أريد أن أموت».

حوّل غسان تويني «النهار» من جريدة بيروتية إلى صحيفة على مستوى العالم العربي. ومنذ أن تسلمها جعلها صحيفة لبنان الأولى. ولا تزال. ومن هذه المدرسة خرّج صحافيون كثيرون وأساتذة كثيرون. وكان في داخل «النهار» وخارجها محط إعجاب وانبهار وحسد شديد. وكان بعض صحافيي «النهار» ينفجرون عندما يشعرون أنه لا يمكن إكمال الخطى إلى القمة التي تربع عليها. وإضافة إلى ما كانت «النهار» تمثل في المعارك السياسية، فقد تحول مكتبه إلى ناد للرؤساء والسياسيين. وفي هذا المكتب كانت تُصنع سياسات كثيرة وتُخاض معارك كثيرة ومنها معركة 1970.

وشعر اللبنانيون على مدى سنين أن صانع الرؤساء هو الأكثر استحقاقا للرئاسة لكن البعد الطائفي كان يقف في وجهه، بالإضافة إلى أن الأبعاد الطائفية كانت تمعن في تخريب لبنان.