أوباما وضع عباس فوق شجرة عالية.. فهل يستطيع إنزاله؟!

TT

الخطأ الفادح الذي ارتكبه باراك أوباما هو أنه استهل تعاطيه مع أزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، كمدخل إلى العالم العربي والإسلامي الذي أصبح معاديا للولايات المتحدة بسبب انحيازها الأعمى لإسرائيل، بأن وضع الرئيس محمود عباس (أبو مازن) ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية فوق غصن مرتفع في شجرة عالية، حيث بات النزول الآن عن هذا الغصن ليس غير سهل فقط، بل يشكل انتحارا محققا بسبب الوضع الفلسطيني الداخلي القائم الآن والمتكئ على استقطاب إقليمي تلعب فيه إيران وتحالفها دور الرقم الرئيس في المعادلة السياسية. ربما إن السبب هو عدم تقدير قوة اللوبي اليهودي في اللعبة السياسية الأميركية الداخلية وربما هو الجهل بواقع الشرق الأوسط ورماله المتحركة وربما هو استسهال التعاطي مع الواقع الإسرائيلي الذي انداح بعيدا نحو التطرف وأفرز بالنتيجة هذه الحكومة اليمينية القائمة على توازنات تجعل رئيسها بنيامين نتنياهو مكبلا وغير قادر على الحركة حتى إن كانت نواياه حسنة وحقيقة أنها ليست كذلك. في فترات سابقة بقيت المفاوضات متأرجحة بين التحرك والجمود والتقدم والتأخر وبين مرة هبّة باردة ومرة هبّة ساخنة وبين انتعاش الآمال ثم العودة إلى اليأس والقنوط، ولكن دون وضع وقف الاستيطان شرطا مسبقا لكل محطات هذه الرحلة الطويلة من المفاوضات التي استمرت كل هذه الأعوام ودون أي نتيجة حقيقية منذ إبرام اتفاقيات أوسلو عام 1993 وحتى الآن.

وهنا فإنه لا بد من إعطاء الناس حقوقهم والتذكير بأن إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش (الابن)، على الرغم من كل مساوئها وعلى الرغم من كل حماقاتها وحماقات رئيسها، هي صاحبة فكرة حل الدولتين، دولة فلسطينية قابلة للحياة والاستمرار إلى جانب الدولة الإسرائيلية، وهي التي عززت اعتبار المستوطنات بكل أشكالها وأنواعها غير شرعية ويجب أن تتوقف. ثم بالنسبة للمطلب، الذي هو الرئيسي بالنسبة للفلسطينيين الآن وهو مطلب أن تكون لهذه المفاوضات المتوقفة مرجعية واضحة ومحددة قبل استئنافها، فإنه يجب تذكُّر أن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كانت قد اعتبرت أن هذه المرجعية هي حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية والشريط المحاذي لنهر الأردن من الجهة الغربية والمناطق الحدودية الفلسطينية المتداخلة مع المناطق الحدودية الإسرائيلية التي توصف بأنها الـ«نومانزلاند».

والآن فإن ما يجب أن يقال هو أن محمود عباس (أبو مازن) سأل جورج بوش (الابن) عندما التقاه في آخر زيارة قام بها الرئيس الفلسطيني إلى واشنطن في عهد الإدارة السابقة عن رأيه بمن يتحمل مسؤولية الفشل الذي انتهت إليه المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وكان جواب الرئيس الأميركي السابق وبلا أي تردد وبصورة تلقائية: «إن هذا الفشل سببه تعنت إسرائيل وإنها هي التي تتحمل هذه المسؤولية».

وهكذا فقد جاء باراك أوباما وهناك أرضية ممهدة لاستكمال المشوار الذي كان بدأه عدد من الرؤساء الذين سبقوه وبخاصة جورج بوش (الأب)، صاحب فكرة مؤتمر مدريد الشهير، ثم بيل كلنتون الذي بذل جهودا هامة ومخلصة على هذا الطريق، لكنه ارتكب أخطاء وحماقات كثيرة ثم جورج بوش (الابن) الذي لا شك في أنه حاول أن يحقق، بالنسبة لمأزق الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، ما لم يستطعه الأوائل الذين سبقوه، لكنه ارتطم بجدار إدارة عنوانها ديك تشيني ومجموعته السيئة الصيت والسمعة.

وكما هو معروف فإن أوباما في إطار هذه الاندفاعة قد ذهب بعيدا عندما قال وكرر هذا القول في خطابه الشهير في جامعة القاهرة وفي مناسبات متعددة أنه لا استئناف للمفاوضات المتوقفة ما لم تتوقف عمليات الاستيطان كلها بكل أشكالها وأنواعها وبما في ذلك ما يسميه الإسرائيليون النمو الطبيعي للمستوطنات القائمة، وبخاصة ما هو قائم منها في القدس الشرقية.

وبهذا فإن أوباما هو الذي وضع محمود عباس (أبو مازن) على غصن مرتفع في شجرة عالية، حيث أصبح غير قادر على النزول عنه بعد تجربة «غولدستون» التي خاضها وحده بعد أن تخلى عنه حتى ما يفترض أنهم حلفاؤه وكادت أن تطيح به وبمنظمته وسلطته لولا تدارك الأمور في اللحظات الأخيرة.

لا يستطيع محمود عباس (أبو مازن) أن يتراجع عن مطلب ضرورة وقف الاستيطان بكل صوره وأشكاله قبل استئناف المفاوضات المتوقفة وحقيقة أن هناك مخرجا واحدا وهو أن يبادر الرئيس أوباما الذي كما هو واضح مصرّ على تحقيق إنجاز في الشرق الوسط يكون مدخله لرسم إستراتيجية جديدة لهذه المنطقة إلى أمرين هما:

الأول، تبني موقف سلفه جورج بوش (الابن) واعتبار أن مرجعية المفاوضات، حتى قبل أن تستأنف هذه المفاوضات، هي حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية والشريط الغربي لمجرى نهر الأردن وما يسمى الـ«نومانزلاند». أما الأمر الثاني، فهو تحديد سقف زمني لهذه المفاوضات ووفقا لمراحل قصيرة ومحددة والاتفاق مع الحكومة الإسرائيلية ورئيسها، ودون إعلان، على تجميد الاستيطان حتى بما في ذلك ما يسمى النمو الطبيعي لضمان عدم انهيار هذه الحكومة التي يشكل الخوف من انهيارها حجة بنيامين نتنياهو ليواصل التمسك بما يتمسك به. ثم، وبالإضافة إلى هذين الأمرين، هناك أمر ثالث، هو الذي يتم التداول فيه الآن للخروج من المأزق الذي تسبب فيه الأميركيون، وهو أن يُسْتبدل بمصطلح «المفاوضات» مصطلح «الاشتباك التفاوضي»، بحيث يقوم الموفد الأميركي بتنقلات مكوكية بين الطرفين يقتصر تركيزها على المرجعية المنشودة لهذه المفاوضات إلى أن يتم التوصل إلى تفاهم يتم بموجبه تجاوز مسألة استثناء القدس و«النمو الطبيعي» من مطلب تجميد المستوطنات.

وهنا فإن كل هذا يبقى مرهونا بأن يكون هناك موقف عربي جاد وبخاصة من قبل الدول التي ليست لها حسابات بيع وشراء بالنسبة إلى القضية الفلسطينية إذ إن ترك محمود عباس (أبو مازن) وحده سيجعله فريسة سهلة للضغط الأميركي الذي يقف وراءه اللوبي اليهودي الذي يبدو أنه فاجأ أوباما بكل هذه القدرة من التأثير على المعادلة الأميركية الداخلية أو يدفعه إلى الاستقالة والتنحي وترك كل الواقع في الشرق الأوسط مفتوحا على مختلف الاحتمالات.

لقد دعا محمود عباس (أبو مازن) إلى اجتماع عاجل للجنة المتابعة العربية المكونة من ست عشرة دولة لاتخاذ موقف جديد وفعلي من هذا المستجد في الموقف الأميركي وحقيقة أن كل المؤشرات تدل على أن هناك تراخيا عربيا كان قد اتضح أكثر من مرة في التعاطي مع الموضوع الفلسطيني، وبخاصة عشية اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة الأخير وخلاله ثم بعد ذلك خلال معركة تقرير «غولدستون» مما يعني أنه ربما أن الدولتين العربيتين المعروفتين المناهضتين لمنظمة التحرير والسلطة الوطنية والرئيس الفلسطيني ومعهما إيران بالطبع قد أصبحتا تتحكمان بـ«الأجندة العربية» في هذا المجال، وهذا غير جائز وستكون له انعكاسات مستقبلية خطيرة!