التعليم بين الجدوى والجودة

TT

ما جدوى التعليم إن لم يكن له قيمة في حياة الأفراد وتقدم المجتمعات والدول، ولن يكون للتعليم «جدوى» إن لم يكن له «جودة»، والجودة في اللغة أصلها الاشتقاقي «جود»، وتعني الأداء والإتقان الجيد الذي يبلغ درجة فائقة، وجودة التعليم ببساطة تعني أن المتعلم يمتلك مجموعة من الخصائص والمزايا المميزة التي تستطيع المنافسة في سوق الحياة والعمل.

فعندما يتخرج الآلاف في جامعاتنا سنويًا وينضمون لطابور البطالة، فيعني ذلك أن هناك خللاًً ما في جودة التعليم، وعندما لا يمتلك الخريجون مهارات العمل المطلوبة في السوق، مثل مهارات اللغة واستخدام الكمبيوتر وبرامجه وتطبيقاته ومهارات الإدارة والتعامل في الحياة، ويتجهون بعد كل سنوات تعليمهم ـ وهو ما يمثل فاقدا في التعليم ـ للالتحاق بالعديد من المراكز المنتشرة والمتزايدة في مجتمعاتنا للحصول على دورات في هذه المهارات، فيعني ذلك أن هناك خللاً في جودة التعليم، وعندما يوجد سرقة للبحوث والمؤلفات العلمية بين بعض الباحثين ويكون الشغل الشاغل لهيئة التدريس بالجامعات الحصول وبسرعة وبشتى الوسائل على درجة الأستاذية، ثم التطلع للمناصب الجامعية العليا وما قد يصاحبها من صراعات غير أخلاقية، فإن ذلك يعد مؤشرًا أيضًا على خلل في جودة هيئة التدريس، وهو ما سينعكس بالتالي على جودة الخريجين.

وعندما لا تظهر أو لا تحتل جامعاتنا مراكز متقدمة في التقييم العالمي السنوي (على اختلاف مصادره) للتعليم العالي، فيعني ذلك أن هناك خللاً أيضًا في جودة التعليم.

ولكن في شهر أكتوبر (تشرين الأول) طالعتنا وكالات الأنباء بتقييم «التايمز» البريطاني للتعليم العالي عن عام 2009، (Times Higher Education World University Rankings 2009)، وقد تبوأت فيه مراكز الصدارة الجامعات الأميركية والبريطانية، كما احتلت فيه ـ في خطوة تبشر بالأمل في مستقبل جامعاتنا ـ جامعة الملك سعود المركز 247 عالميًا والأولى عربيًا، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن المركز 266 عالميًا والثانية عربيًا، ومن المعروف أن هناك عدة معايير عالمية لتقييم وترتيب الجامعات، من بينها: تقييم الجامعات المنافسة أو المناظرة، وسجل حصول الخريجين على وظائف، وسجل نسبة الطلبة إلى الهيئة التدريسية، وسجل هيئة التدريس ومنجزاتها البحثية، وسجل التمثيل الدولي، وسجل الطلبة الأجانب.

التعليم منظومة متكاملة واستثمار له عائد مردود ومحسوب، وقد أدركت الدول المتقدمة ذلك فاحتلت جامعاتها مراكز الصدارة. لقد أولت هذه الدول عناية فائقة بمفهوم «جودة التعليم»، بما تحمله الكلمة من معانٍ ومعايير كثيرة، جودة في الطلاب، وجودة في أعضاء هيئة التدريس، وجودة في المقررات والمناهج الدراسية ومهارات الحياة والعمل، وجودة في البحوث العلمية وأماكن نشرها، وجودة في أساليب التدريس، إلى غير ذلك من معايير للجودة تساهم في إعطاء جدوى وقيمة للتعليم.

رؤيتنا ومنظورنا للتعليم في القرن الحادي والعشرين، يجب أن تركز على مفاهيم «الجودة» وعلاقتها بجودة العمل والحياة، وأن يكون التعلم مستمرا مدى الحياة ومتاحًا لجميع فئات وأفراد المجتمع، ففي الدول المتقدمة يلحق بالجامعات العديد من «مراكز التعلم مدى الحياة» (Center for Lifelong Learning) مفتوحة للجميع وفي جميع مجالات العمل والحياة، لإعداد وإكساب الأفراد المهارات الضرورية واللازمة لتحقيق جودة العمل والحياة.

في عصر التغيرات العالمية السريعة والمتزايدة والسباق نحو التميز والجودة في جميع مجالات الحياة، وبخاصة في التعليم، لم تعد النظرة للتعليم قاصرة فقط على مجرد حصول الطلاب على الدرجة الجامعية، وإنما أيضًا إعدادهم وتأهيلهم جيداً وإكسابهم مهارات جودة العمل والحياة.

علينا أن نعترف بأن هناك خللاً في جودة التعليم، ونبدأ وبإرادة التغيير بإصلاحه، لإعداد أبنائنا للتميز لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.

* كاتبة وباحثة مصرية

في الشؤون العلمية