لأجل عيون الأم الحنون

TT

كان لي حديث مع بعض الأصدقاء وهم يتحدثون عن هواية والدتهم التي يحرصون أن تؤديها بسلام واحترام وهي صيد السمك في ختام يوم الجمعة من نهاية الأسبوع، فهم باتوا يتباركون ويتفاءلون بحصتها من الصيد وحصيلة المساء، ولكن شيئا ما تغير؛ فلم تعد الأسماك بذات الحجم ولا بذات الكمية من مياه الخليج العربي، وكذلك الشكوى قائمة في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. السمك والحيوانات البحرية تعاني عالميا من أزمة خطيرة وتحديدا تقع المعاناة في مشكلتين رئيسيتين هما الازدياد والتوسع في الاصطياد العشوائي بالشباك العملاقة وبالمتفجرات والألغام، وكذلك أيضا من مشكلة تلوث المياه بأساليب مختلفة ناتجة عن تصريف مياه المصانع ومياه الصرف الصحي في البحار والمحيطات.

واليوم ينتقد العالم وبشدة سلوك اليابان في صيد الحيتان العملاقة وسمك التونا، وهاتان السمكتان توشكان على الدخول إلى قائمة الأسماك المهددة بالانقراض لأن اليابانيين ولأجل إشباع نهمهم المتزايد في أكل السمك ونشر ثقافة مطاعمهم السمكية حول العالم احتكروا تقريبا كل مواقع صيد الحيتان وسمك التونا ونشروا البواخر العملاقة بالقرب من المياه الإقليمية لمعظم دول العالم التي عرفت سواحلها وجود هاتين السمكتين وتقوم البواخر بالمهمة كاملة من صيد وتنظيف وتقطيع وتعبئة على متنها! ومع ازدياد الطلب المهول على سمك التونا اكتشف العلماء البحريون أن نسبة تكاثر هذه السمكة (وغيرها) ليست بنفس نتيجة الطلب مما يعني أن مسألة خطر الانقراض هي فرضية واقعية ممكنة جدا. التونا تحقق لصائديها عوائد «خيالية» والدفع فوري ومغرٍ ولذلك تبقى هي السمكة الأكثر جاذبية، وقد قامت العديد من شركات الضغط ومؤسسات حماية البحار بتوعية المستهلك ووضع لواصق على عبوات التونا تحذر وتطلب من المستهلك عدم شراء التونا التي يتم صيدها بالشباك العملاقة (لأنها تقتل الدلافين أيضا) ولا بالمتفجرات لأن العديد من الأسماك يلقى حتفه بهذا الإجراء الهمجي، ولكن هذه الخطوات لم تحقق المرجو منها. وما ينطبق على سمك التونا والحوت ينطبق على سمك الهامور في مياه الخليج العربي وعلى سمك الناجل في مياه البحر الأحمر وعلى سمك اللقز في البحر الأبيض المتوسط، وكذلك الروبيان «القريدس/ الجمبري».

صيد السمك مهنة احترفت لأجيال في مناطق مختلفة حول العالم العربي، ولكن فوضى الصيد وهستيريا التلوث أضرت بالثروة السمكية وباتت مسألة الحفاظ عليها واجبا أخلاقيا أصيلا لا يقبل النقاش ولا يحتمل التأخير. الوالدة الحنون تتمنى أن تستمر في ممارسة هوايتها بسلام وأمان. لأجل عيونها وعيون غيرها كثيرين حافظوا على ما تبقى من الحياة السمكية.

[email protected]