زيارة إلى معبد موسى بن ميمون

TT

من تخاريف هذا الزمان.. ما نشرته الصحف ووسائل الإعلام من المغرضين أن مجموعة من اليهود قد أبلغوا اليونسكو أن تلال القمامة قد غطت أرضية معبد موسى بن ميمون الكائن في حي الجمالية القديم بالقاهرة التاريخية!

وادعوا كذبا أن مصر لا تصون الآثار اليهودية، وأشاروا إلى أن أعمال الترميم بالمعابد اليهودية قد بدأت فقط من أجل دعم المرشح العربي فاروق حسني لمنظمة اليونسكو... وكانت هذه الحملة بالطبع قبل انتخابات اليونسكو الماضية.. لسبب في نفس يعقوب!

لم أجد أمامي ومن واقع مسؤوليتي سوى الذهاب إلى معبد موسى بن ميمون مع مندوبي الصحف ووكالات الأنباء لكي أُريهم على الطبيعة ما يجري داخل هذا المعبد.. وقد وصلت بالعربة إلى بوابة النصر في القاهرة الفاطمية، وعند مدخل شارع المعز لدين الله الفاطمي استقل الجميع عربات كهربائية سارت بنا في حَوارٍ ضيقة ومتشعبة، ونزلنا لنمشي داخل أزقة إلى أن وصلنا إلى حارة اليهود، وهي المنطقة التي عاشت فيها عائلات مصرية يهودية قبل عام 1960. ولا يزال هناك حوالي 120 يهوديا مصريا يعيشون في القاهرة ولهم رابطة مسؤولة عنهم وترأسهم السيدة كارمن، وتشتغل في تجارة الملابس وتعيش بين المصريين، مسلمين ومسيحيين، بوصفها مصرية دون النظر إلى ديانتها، بل وهناك يهوديات كثيرات متزوجات من مسلمين.. والحقيقة التي لا نزاع عليها هي أن كل الآثار من معابد ومنازل يهودية قديمة هي جزء من تاريخ مصر، وأي تدمير أو تفريط في هذا التراث هو بلا شك محاولة فاشلة لنزع جزء من تاريخ بلدنا.. وأي بلد يحاول نسيان جزء من تاريخه يرتكب جرما في حق أبنائه، وسيتعرض بلا شك لكثير من المعضلات التاريخية التي لن يجد لها حلا سوى إحياء ما حاول طمسه من تاريخ..!

لقد عانت الآثار المصرية سواء الإسلامية أو القبطية أو اليهودية على حد سواء من تأثير الزلزال الذي ضرب مصر عام 1992، ونتج عنه تدهور في عمارة المساجد والكنائس والمعابد.. ولم تجد هيئة الآثار في ذلك الوقت غير القيام بعمليات «صلب» هذه الآثار، وهو مصطلح نستخدمه إشارة إلى عمليات التدعيم باستخدام الشدادات الصلبة والخشبية لمنع جدران المنشأة الأثرية وقبابها أو مآذنها من الانهيار.. وتظل هذه الصلبات قائمة لحين إعداد مشروعات ترميم متكاملة بعدها يتم فكها وإعادة المبنى الأثري إلى حالته.. ولكم طالت يد النسيان العديد من آثارنا الغالية، وبدأت النقوش والزخارف تسقط من على الجدران، إضافة إلى تسرب المياه الملوثة من شبكات الصرف الصحي القديمة وأخذت تأكل في جدران الآثار المصلوبة حتى وصلت إلى حالة سيئة.. وبمجرد إسناد مسؤولية الآثار إليّ في عام 2002، بدأت مع متخصصين في وضع خطة قومية لإنقاذ الآثار المصرية، وأخذنا نعمل بجد في شارع المعز والكنائس بمصر القديمة والمعابد اليهودية.

ولدينا في القاهرة تسعة معابد يهودية مسجلة، بالإضافة إلى مقبرة واحدة من مقابر اليهود بحي البساتين.. وهذه الآثار يقوم المجلس الأعلى للآثار بصيانتها، إضافة إلى وجود معبد يهودي واحد بمدينة الإسكندرية. وقد خضعت هذه المعابد لخطة ترميم متكاملة منذ عام 2002، وتسبق عمليات الترميم دائما دراسات وأبحاث علمية يقوم بها الاستشاريون من مهندسين ومرممين قد تستغرق عامين يتم فيها عمل دراسات كاملة للتربة وتحليل المياه الجوفية، وبعد ذلك يتم العمل في الترميم، والذي يستغرق أعواما كثيرة على حسب حالة الأثر، وهناك نوعان من الترميم؛ الأول هو الترميم المعماري، والثاني هو الترميم الدقيق ويختص بترميم الزخارف والحليات والأبواب والنوافذ خاصة إذا كانت من الزجاج المعشوق، وكذلك كل ما هو موجود من عناصر تختص بالمبنى وأثاثه.

وقد سمعت من البعض ـ والحمد لله أنهم قلة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة ـ اعتراضهم على ترميم الآثار القبطية واليهودية.. فماذا نسمي هذا.. جهل أم حماقة أم الاثنين معا؟!