أرجوك.. لا تقاطعني!

TT

ربما يتذكر بعضنا الموظف الذي همس في أذن الرئيس الأميركي جورج بوش (الابن) في أثناء إلقاء الأخير لخطاب في مكان عام، ليخبره بنبأ اعتقال الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في الحفرة الشهيرة في بغداد، حيث كانت هذه اللقطة، التي شوهدت عبر شاشات التلفزة، مثالا صريحا للمقاطعة المبررة للمتحدث نظرا لأهمية النبأ. غير أننا نلاحظ في كثير من اجتماعات العمل واللقاءات الاجتماعية والتلفزيونات الفضائية حالات عديدة لمقاطعات ليست ذات أهمية تذكر بل إنها تقطع على المتحدثين حبل أفكارهم.

في كتابي، الذي طرح في المكتبات الأسبوع الجاري، بعنوان «لا تقاطعني!» تناولت دراسة علمية أجريتها مع رئيس قسم الإعلام بجامعة الكويت حيث أظهرت أن 25 في المائة من مذيعي الفضائيات العربية يقاطعون ضيوفهم، الأمر الذي يسبب إرباكا للضيف، ولم يكن الضيوف أفضل حالا حيث وصلت نسبة المقاطعة لديهم إلى 70 في المائة. وهذه النسبة مخيفة لكونها تعطي مثلا سلبيا للمشاهد، وخصوصا الصغار منهم، بأن هذه هي أصول الحوار. وأتذكر أنني حضرت «بروفة أولية» لعروض مسرحية عربية شهيرة حيث نهض فجأة من بين مقاعد الحضور المخرج وقال لأحد الممثلين بحدة واضحة «أخبرتك أكثر من مرة لا تقاطع زميلك.. دعه يكمل جملته حتى يفهم الجمهور كلامه بوضوح». وبالفعل من يشاهد المسلسلات والمسرحيات يندر أن يجد مقاطعات كثيرة، حتى في لحظات الخروج عن النص فإن الممثل ينتظر عادة زميله حتى ينهي جملته ليعلق بما يشاء، وهذا هو الأسلوب الأمثل في الحوار. فطالما أننا نتحدث في الوقت نفسه الذي يتحدث فيه الطرف الآخر فهذا يعني أننا نقاطعه. ولمن يرى أننا نتحدث بمثالية زائدة ندعوه إلى التحاور مع عينة عشوائية من الغربيين ويحاول أن يقاطعهم باستمرار ليرى كيف ستكون ردود أفعالهم، ويقارن كم مرة يقاطعونه مقابل تجربته مع كثيرين ممن يتحاور معهم في العالم العربي.

مقاطعة المتحدث ينبغي أن تكون لهدف محدد كتصحيح معلومة، أو طرح سؤال في الوقت المناسب، أو ليزف صاحبها نبأ مهما (كما فعل المسؤول مع بوش)، أو ليوقف حدة النقاش أو الملاسنة بين طرفين بطرح سؤال جديد يغير فيه مجرى الحديث أملا في إعادة الأمور إلى نصابها. والمقاطعة السلبية نوعان: لفظية وغير لفظية. أما اللفظية فهي «كل كلمة أو حرف يتفوه به الشخص بقصد أو من دون قصد فيتسبب بمقاطعة حديث المتحدث، الأمر الذي يضطر معه المتكلم إلى التوقف عن الحديث، لأي مدة زمنية». وتقطع هذه المداخلة حبل أفكار المتحدث أو تتسبب في مضايقته لشعوره بعدم الراحة التامة أثناء الحوار. وهناك نوع لا ينتبه إليه كثير من الناس وهي المقاطعة «غير اللفظية» وتعني كل إيماءة جسدية (مقصودة أو غير مقصودة) تصدر عن الفرد أثناء إنصاته وتسبب له الأذى نفسه الذي تحدثه المقاطعة اللفظية للمتحدث.

ويبدو أن المقاطعة لم يسلم منها حتى الأطباء. ففي دراسة علمية أميركية (ذكرت تفاصيلها بالكتاب) تبين أن «الأطباء يقاطعون مرضاهم بنسبة 69 في المائة من الوقت وذلك عند أول تعليق يدلي به هؤلاء المرضى، في محاولة من الأطباء لتوجيه الحديث نحو نقطة معينة يتطلعون إلى معرفتها». وذكرت الدراسة أن «مقاطعة المرضى من قبل الأطباء تمنعهم من حق التعبير الكامل عن معاناتهم وهو ما قد يؤدي إلى إدلاء الأطباء بنصائح طبية غير مناسبة أو ناقصة». لا بد أن نعترف أننا لا نستطيع تغيير سلوك الآخرين حتى وإن كانوا مشاكسين ومزعجين في الحوار، ولكن في أيدينا نحن التحكم بسلوكنا وخصوصا.. كيف نقاطع الآخرين في العمل وخارجه.

* كاتب متخصص في الإدارة [email protected]