أفغانستان: كيف يتعامل كرزاي مع فرصته الثانية؟

TT

يخشى كل حاكم من الحكام الأفغان شيئا واحدا ويتمنى شيئا واحدا كذلك، وليس حميد كرزاي ـ الذي تم تأكيد اختياره للولاية الثانية ـ استثناء من تلك القاعدة.

يخشى كرزاي أن ينتهي به الحال كشاه شجاع.. ويتمنى أن يصبح مثل أمير عبد الرحمن. وعلى الرغم من أنهما من عصرين مختلفين، فإن الحاكمين كان بينهما الكثير من أوجه التشابه. فكلاهما تعرض للنفي، والحرب الأهلية، والصراع العائلي الدموي قبل أن يتمكن من ارتقاء القمة الوعرة.

ويرجع الفضل في فوز كليهما بالعرش إلى الدعم البريطاني بعد الحرب الإنجليزية ـ الأفغانية الأولى والثانية على التوالي. وطوال السنوات التي حكما فيها كان اسم كل منهما يدرج على قوائم الرواتب البريطانية؛ حيث كان كل منهما يحصل على ما قيمته 15 ألف دولار شهريا.

وكلاهما كان مشاركا في حروب يمكن تصنيفها في أيامنا هذه باعتبارها حروب «تطهير عرقي»: حرب شجاع ضد الأوزبك، والحرب التي خاضها عبد الرحمن ضد الهزارة. وكلاهما تخلى عن الأراضي الأفغانية وسلمها إلى البريطانيين: وكانت هدية شجاع هي بيشاور بينما قبل عبد الرحمن خط الدوراند الحدودي الذي يضع نصف البشتون تحت الحكم البريطاني.. ولكنهما على أي حال كان لهما مصير مختلف. حيث يتذكر الأفغان شجاع الذي وصل إلى الحكم مرتين، الأولى في الفترة بين 1803 و1809، والثانية في الفترة بين 1838 و1842 باعتباره الرجل الذي ساعد البريطانيين على الاستحواذ على أفغانستان.

ومن جهة أخرى، دخل عبد الرحمن الذي حكم في الفترة بين 1866 و1901 الفلكلور الأفغاني باعتباره الحاكم الذي أنهى السيطرة البريطانية واستعاد استقلال الأمة.

وقد قتل شجاع على يد أفراد شعبه الذين ظلوا يحتفلون باغتياله لمدة سبعة أيام، بينما كان عبد الرحمن واحدا ضمن عدد قليل من الحكام الأفغان الذين يموتون بهدوء في منازلهم وعلى أسرتهم، وقد أقيم الحداد عليه باعتباره «أبو الأمة».

ويجب أن نبحث عن السبب الذي جعل نهاية الرجلين مختلفة في مقاربتهما المختلفة للقضية التي دائما ما كانت القضية الأكثر حساسية للسياسة الأفغانية: وجود القوات الأجنبية في أفغانستان.

فشجاع الذي جاء في أمتعة جيش المرتزقة الذي تقوده بريطانيا فعل كل ما يستطيعه لمد وجود القوات الأجنبية. وكان معظم الأفغان يكرهونه لهذا السبب.

ولكن عبد الرحمن الذي نصبته أيضا بريطانيا كأمير، تمكن من أن يخرج القوات الأجنبية، وهو ما يجعل معظم الأفغان يحبونه؛ حيث ما زال من أكثر الشخصيات شعبية في التاريخ الأفغاني.

والآن ننتقل بسرعة إلى الوقت الراهن وكرزاي. الجميع يعرف أن الفضل في وجود كرزاي حاليا في مكانه يرجع إلى الأميركيين.

في عام 2001 كان كرزاي منفيا في واشنطن، يدير مطعما للكباب، ويخطط كي يصبح سفير طالبان في الولايات المتحدة. وبعد ذلك بعام، وبعدما قتل الخيار الأميركي الأول ـ عبد الحق ـ على يد طالبان، أصبح كرزاي الحاكم الفعلي لأفغانستان.

وكانت الطريقة التي وصل بها كرزاي إلى السلطة مشابهة للطريقة التي وصل بها كل من «شاه شجاع» و«أمير عبد الرحمن»، بل ومثل معظم حكام أفغانستان طوال القرون الثلاثة لوجودها كدولة مستقلة. وعلى الرغم من ذلك، فلم يلحق العار بكرزاي بسبب الطريقة التي وصل عبرها إلى السلطة.

وخلال الأعوام الثمانية الماضية، برز كرزاي باعتباره سياسيا ذكيا، وقائدا حازما ودبلوماسيا بارعا. وكان الأفغان يعتبرون حكمه حكما جيدا.

كما تمكن كرزاي من وضع الدولة على مسار مختلف، وفي الوقت نفسه استقطب قوى الخصوم بما في ذلك أعداء مثل الولايات المتحدة وإيران للمساعدة في بناء بنية الدولة الجديدة.

ومما لا شك فيه أن أفغانستان تحت ولاية كرزاي كانت تعاني من الفساد غير المسبوق؛ ومع ذلك فإن هذا يرجع إلى أن الموارد التي تصب في الدولة لم تكن مسبوقة كذلك. وعلى حد معلوماتنا، فإن معدل الفساد في أفغانستان لا يتجاوز معدل الفساد في «الدول النامية»، بما في ذلك جارتاها إيران وباكستان. ويعود معظم ذلك الفساد إلى العمل الذي يقوم به مستشارو الشركات الغربية والوسطاء الذين يحصلون على نصيب الأسد تاركين الفتات لأفغانستان.

وبالنظر إلى ذلك، فربما ينتهي كرزاي إما كشجاع أو عبد الرحمن. ولكي يحصل على مصير شجاع فلن يكون عليه سوى ألا يفعل أي شيء. فمن الواضح أن الأميركيين وحلفاءهم من حلف شمال الأطلسي ليسوا بمثل الالتزام الذي كانوا عليه بالنسبة لأفغانستان في عام 2002.

وبالنسبة لإدارة أوباما فإن كرزاي هو «ما تبقى من عصر بوش» ويجب أن يتم استبداله. ومن هذا المنطلق، فإن أوباما يحاكي الرئيس جون كينيدي الذي ورث ملف فيتنام في عام 1963، وبدأ بدعم الانقلاب ضد حليف أميركا «نجو دينه ديام» في جنوب فيتنام.

وبعد شهور من الجهد، لم يجد الأميركيون أي أحد يمكنه أن يحل محل كرزاي في ذلك الوقت، وذلك على الرغم من أنهم جربوا عدة خيارات، منها حاكم قندهار السابق «غول أغا شيرازي» والمرشح الرئاسي عبد الله زامارياني.

ما الذي كان يمكن أن يقوم به أمير عبد الرحمن إذا كان في موقع كرزاي؟

كان سيعقد اجتماعا لـ«لويا جركة» أو المجلس الأعلى، وهو أكبر تجمع للقادة القبليين والدينيين والعرقيين، للتصديق على زعامته وتأكيد الوحدة القومية.

وكان الأمير سيشكل كذلك حكومة نيابية تتكون من أعضاء لهم شعبية عالية، ولن يفعل مثل كرزاي الذي اختار مجلس وزراء يتكون في معظمه من التكنوقراط الذين يحمل معظمهم جنسية مزدوجة ويفتقر إلى القاعدة الشعبية المؤيدة داخل أفغانستان. كما كان عبد الرحمن سيفضح المدى الحقيقة للفساد والدور الشرير الذي تلعبه الشركات الغربية والأفراد فيه.

والأهم من ذلك، كان الأمير سيطلب من المجلس الأعلى أن يحدد مدة زمنية واقعية لرحيل القوات الأجنبية من أفغانستان.

فمن المتوقع أن يصبح الجيش الأفغاني ـ الذي ما زال يتم تكوينه ـ قوة مذهلة بحلول 2013. ومع ذلك سوف تنسحب القوات الأجنبية انسحابا كاملا بنهاية 2014. يجب أن يقدم كرزاي خطة لأربع سنوات تعتمد على هدفين رئيسيين: إعادة بناء الدولة الأفغانية، وإتمام جلاء القوات الأجنبية بالتزامن مع عقد اتفاقية مثل التي وقعها العراق مع الولايات المتحدة خلال العام الماضي.

ولكي يتمكن كرزاي من تعديل استراتيجية القبعة، سوف يحتاج إلى قاعدة سياسية أكبر. فهو لن يحتاج إلى التقرب إلى طالبان، إذا تمكن من أن يجلب كل القوات المعادية لطالبان تحت مظلة قومية واحدة كبرى، وسوف يحصل على التأييد الكافي لعزل وهزيمة الملا عمر وحلفائه الذين يهربون المخدرات.

لقد منح التاريخ كرزاي فرصة ثانية، مثلما فعل مع شجاع وعبد الرحمن، ولكن ما الذي سوف يفعله كرزاي بهذه الفرصة؟.. هذا ما يتوقف عليه.