رسالة مفتي الديار المصرية

TT

للشيخ علي جمعة، مفتي الديار المصرية، لقب فريد له بريقه، وهو يتمتع بأسلوب أكاديمي ويتحمل عبئا فريدا من نوعه يتمثل في إصدار نحو 5000 فتوى أسبوعيا يستفيد منها المسلمون الملتزمون في حياتهم اليومية. وخلال زيارة قام بها مؤخرا إلى الولايات المتحدة، أوضح لي عملية «معالجة قضايا ذات صلة بالحياة المعاصرة». وتطرح الحياة المعاصرة أمام الشيخ جمعة والفريق الذي يتبعه من المفتيين الكثير من الأشياء التي يجب البت فيها، بدءا من مشروعية زراعة الأعضاء، مرورا بالرهان في الألعاب الرياضية، والتدخين في نهار رمضان، وحكم تولي النساء منصب القاضي، واستخدام أسلحة الدمار الشامل، ووضع أجهزة نقل إشارات الجوال على مآذن المساجد.

وربما يكون هذا هو الملمح الأكثر صعوبة في الإسلام بالنسبة للكثير من الأميركيين الذين لا يدينون بالإسلام، الذين يجب أن يتذكروا ماساتشوسيتس المتزمتة عندما كان تفسير النصوص الدينية عمل عام له أهمية كبيرة. وقد كانت النقاشات الدينية في الغرب لمدة طويلة حكرا على المعاهد الدينية، ولم ينجم عنها شيء ذو بال سوى انشقاقات طائفية. وينظر في مصر إلى جمعة كشخصية دينية بارزة، ويتبع مكتبه ـ دار الإفتاء ـ وزارة العدل. وعلى الرغم من أن الأحكام التي يصدرها غير ملزمة ما لم تصدر في إطار قانون، فإن لها أهمية كبيرة.

ويشار إلى أنه من غير المحتمل، في الوقت القريب على الأقل، أن يعكس الإصلاح في العالم العربي الخصخصة الغربية للمعتقدات الدينية، فجميع مناحي الحياة هناك تتوقف على الشريعة. وتحصل معظم الحكومات العربية على جزء من شرعيتها عن طريق عكس هذا. وفي أسوأ الحالات، ولكنه من النادر، يتضمن ذلك العقوبات الإسلامية التقليدية مثل الرجم وقطع الأطراف. وفي أفضل الحالات، تلعب الشريعة دورا يساوي الدور الذي يلعبه القانون، وتلزم الحكام والمحكومين بمعايير العدالة بموضوعية واحدة.

ولذا، فإن من الأهمية بمكان معرفة الطريقة التي يتم بها تفسير الشريعة ومن يقوم بهذا التفسير. ولكن، لا يوجد في الدين الإسلامي آباء أو رجال دين بالصورة التقليدية. وبدلا من ذلك، به الكثير من مدارس التأويل، وجميعها تنظر إلى القرآن والسنة كمرجعين، ولكن يتم التوفيق بين العادات المحلية والدين الإسلامي في الكثير من النواحي.

وينظر البعض، داخل النموذج السعودي، إلى القرن السابع على أنه النموذج الأنقى للإسلام، وهو يصعب التوفيق بينه وبين الحداثة والتعددية والديمقراطية وحقوق المرأة والنجاح في العالم الحديث.

ويمثل الشيخ علي جمعة منحى مختلفا، ويمكن أن يوصف بأنه ليبرالي. وقد قال لي: «لقد اختار الشعب المصري الإسلام كإطار عام للحكم. ومن ثم لن يقبل الشعب المصري أبدا زواج المثلين أو استخدام المخدرات غير القانونية أو القتل أو الانتحار الجماعي». الأخلاق ومصادرها أشياء مطلقة. ويؤكد على فكرة أن: «القرآن والحديث هما ما نعتمد عليه. وقد كانا الاثنان صالحين للتطبيق قبل 1400 عاما، وهما صالحان للتطبيق في الوقت الحالي وسيكون الحال كذلك مستقبلا». وفي رأيه، فإن الإسلام المتمسك بالتقاليد عملي في الطريقة التي يطبق بها هذه المبادئ على «الواقع الحالي». ودور الأكاديميين الإسلاميين هو «سد الهوة بين المصادر والحياة المعاصرة». وربما كانت بعض التفسيرات السابقة فاسدة وربما نجد طريقة أفضل. وما نبحث عنه في الحديث هو المنهجي، وليست النتائج نفسها منذ 500 عام». ويركز جمعة على مقصد الشريعة لتعزيز الشرف وغيرها من القيم الجوهرية بالإضافة إلى «الالتزام بالصالح العام».

وقال: «المحصلة النهائية هي تحسين العالم وليس تدميره». ونتيجة لذلك، أصدر جمعة عددا من الأحكام يقر فيها بحقوق النساء ويضع قيودا على العقوبات الجسدية ويحرم الإرهاب.

وقال: «اسمح لي بأن أعطي لك نموذجا على النظرة إلى الحرية. يروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ارتدى ثيابا مثل تلك التي يرتدونها في السودان، وكون الرسول قام بذلك لا يعني أن علينا جميعا أن نلبس بهذه الطريقة. هناك من يريدون أن يبقوا على الماضي وليس على الدين». ووراء المنحى التأويلي لجمعة تأكيد على دور الطبقة الأكاديمية التقليدية داخل الإسلام، فغالبا ما يؤدي إصدار الفتاوى من راديكاليين غير مؤهلين إلى فوضى دينية. وجمعة أكاديمي من الطراز الأول ويعتقد أن الأكاديميين يجب أن يكون لهم الدور البارز في الفقه الإسلامي. وهو لا يهدف إلى تحرير الإسلام، ولكن إنقاذ الدين القويم من التطرف.

ولا يرتقي ذلك لأن تكون نظرية كاملة عن الحرية الإنسانية. ومع ذلك يمثل جمعة مبدأ مشجعا مهما وهو أن الراديكالية أضيق نظرة للإسلام.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»