عم عبده!

TT

ألقى الروائي السعودي الجميل «العم» عبده خال الكرة في ملعبي لأروي أزمتنا مع كلمة «عم» عبر مقال كتبه الأربعاء الماضي في صحيفة «عكاظ»، فلم يزعج الصديق عبده طوال رحلتنا إلى فرنسا شيء أكثر من كلمة «عم» التي نثرها الصحافي الابن وائل مهدي على مسامعنا نحن الصلع، حينما كان يمط كلمة «عم» بمقدار امتداد صلعة كل منّا، فعاش عبده أياما تحت وطأة قهر الألقاب الدالة على الشيخوخة «خال، وعم» حتى غدا يهرب من قائلها داخل زحمة المقاهي، ليظهر له غريمه فجأة في كل الأماكن، وقد أنجت الشعور النابتة زملاءنا الإعلاميين والكتاب «الأعمام»: حمود أبو طالب، خالد السليمان، علي الموسى، صالح الشيحي، وناصر الشهري من ملاحقة مناداتهم بكلمة «عم».

وفي كل مرة كنت أحاول إقناع عبده خال بأن مناداته بـ «عم» استحضار لتراث جميل، يوم كان كل من يصغرك سنا يخلع عليك كلمة «عم»، يصيح عبده في وجهي محتدا:

ـ «هذا التراث في شارع الهنداوية بجدة، وليس في شانزليزيه باريس!».

وليعذرني القارئ في استخدام هذا المدخل الخاص جدا للولوج إلى تخوم إشكالية عامة، فحينما كنا صغارا، كان للتراتبية العمرية أهميتها، إذ يحظى الكبير سنا بامتيازات يتمناها الصغار، حتى اعتاد الكثيرون أن يسكبوا على أعمارهم الحقيقية بضع سنوات أكثر ليحظوا بامتيازات الكبار من التقدير، والتبجيل، والاحتفاء، ثم دار الزمن دورته، واختلفت المعايير بدخولنا الزمن الذي تحولت فيه الامتيازات صوب الشباب، فأصبحت كثرة سنوات العمر إشكالية يهرب منها الجميع بممارسة الحذف بالجملة والقطاعي، ولكن كما تفضح الصب عيونه، ظلت الرؤوس المتصحرة تفضح أعمار حامليها. ويقال إن يوليوس قيصر خلع عليه شعبه ذات انتصار إكليلا من الغار لم يخلعه حتى موته، إذ وجد فيه خير وسيلة لإخفاء صلعته، وإشكالية الصلع المعاصرين أن ليس كل أصلع قيصرا، وأغلب الظن أن الذي اخترع القبعة والطربوش من فصيلة الصلع، وأكثر الذين قاوموا قرار مصطفى كمال أتاتورك في تركيا، حينما فرض خلع الطربوش هم الصلع، وحتى حينما قرر عبد الناصر عدم إلزامية لبس الطربوش في الإدارات الحكومية احتج الصلع سرا على ذلك القرار الذي سيضطرهم تدريجيا إلى الكشف عن رؤوسهم الجرداء جهارا نهارا.

وتسبب كشف الصلعة في توتر العلاقات بين مصر وتركيا ذات يوم، حينما حضر الوزير المصري المفوض احتفالات إعلان الجمهورية في تركيا مرتديا طربوشه، الذي كان يمثل جزءا من الزي الوطني آنذاك، وكان أتاتورك لا يطيق الطربوش، ولا من يرتديه، فأمر الوزير المصري بخلع طربوشه، وحينما رفض أمر من يقوم بخلعه، واعتبر ذلك إهانة في حينه، واحتجت مصر على تركيا، ولم تهدأ إلا حينما قدم لها مصطفى أتاتورك اعتذارا رسميا عن «عملته».

أليس الإنجليز على حق ـ يا «عم» عبده ـ حينما قالوا: إن عمرك كما تشعر؟

[email protected]