أشرف قضية عالمية

TT

شهدت قضية الهجوم على مدينة أشرف واقتحامها غير المبرر قانونيا تفهما وتعاطفا دوليا لافتا للنظر، على الرغم من أننا يجب أن نقر هنا بأن جسامة التضحيات والأفلام والصور المأساوية المتواترة من هناك، والتي شاهدناها بألم، وأدانتها وشجبتها مختلف المحافل الدولية والهيئات الإنسانية والحقوقية والشخصيات البارزة، كانت تستحق بحق أكثر من ذلك بكثير، لأنها كانت مآثر إنسانية تضمنت الكثير من المعاني والقيم النبيلة لنفر من الناس آلوا على أنفسهم أن يقدموا أرواحهم قرابين على ضريح حبهم لوطنهم وإخلاصهم لتحرر وخلاص شعبهم.

لقد كان لنا شرف الدفاع عن أشرف، وعن تلك الثلة البطلة التي اقتادوها قسرا من أشرف من أجل مآرب خاصة لا علاقة لها بالقانون أو بأي قضية أخرى من هذا القبيل، هذا الاقتياد الذي تصور المنفذون أنه سيكون عامل إرعاب وردع لسكان أشرف، انقلب وبالا على السلطات العراقية عندما جابهوا جريمة اختطافهم غير القانوني والمناقضة لكل الأنظمة والقوانين الدولية المراعاة في هذا المجال بإضراب بطولي عن الطعام، شدوا من خلاله أنظار الرأي العالمي إليهم ولسان حالهم يخاطب العالم: يا سادة هنا تحدث جريمة ضد الإنسانية!.. نعم إنها كانت جريمة ضد الجميع، حيث متى ما تم نقض قانون دولي فإن الرسالة موجهة للمجتمع الدولي برمته، وأن الكل معنيون بمتابعته والإجابة عنه بدون استثناء. لكن، هنا نتساءل؛ هل كان ثمة إنسان لا يدرك أن هكذا جريمة منكرة ومرفوضة من كل النواحي لماذا ولأي غاية محددة تنفذ؟ يقينا فإن الشعبين العراقي والإيراني بشكل خاص كانا يعلمان جيدا أن النظام الإيراني هو الذي يقف خلف هذه المأساة، وأنه المستفيد الوحيد منها، وأن الحكومة العراقية هي أساسا في غنى عن هكذا مشكلة يضعها وجها لوجه أمام المجتمع الدولي، مثلما يجد نفسه في معضلة مع القانون الدولي، لكن يظهر أن قوة الضغط ومقدار النفوذ القوي للنظام الإيراني في العراق يوضحان بشكل بعيد عن الالتباس أهمية تنفيذ مثل هذه المؤامرة وفي هكذا وقت تحديدا.

إن الانتصار الكبير الذي حققته تلك المجموعة المؤمنة بمستقبل الحرية والديمقراطية في إيران، قد أثار ومن دون أدنى شك حفيظة أعداء المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بشكل عام، ومنظمة «مجاهدي خلق» بشكل خاص، وأن النظام الإيراني لن يستسلم بسهولة لهذا الأمر، وسوف يحاول جاهدا إعادة الكرة مجددا والدخول من باب آخر بعد أن تأكد له أن المجتمع الدولي برمته لن يدعوه للاستمرار بمؤامرته ضد مدينة أشرف وتسليم رسل الحرية والديمقراطية فيها إلى يد نظام قمعي استبدادي لا يؤمن أبدا بمبادئ حقوق الإنسان وبحرياته الأساسية، وعليه فإن توارد الأنباء المقلقة بشأن احتمال نقل سكان أشرف إلى مكان آخر سيكون من دون أدنى شك محط تساؤل وقلق بالغ لنا ولكل القوى الديمقراطية والمحبة للسلام، خصوصا أن المعلومات المتوافرة لدينا تشير إلى أن نقلهم سيكون إلى أماكن أقل أمنا وطمأنينة، وقطعا فإن ذلك لن يكون أبدا إلا من أجل أهداف مشبوهة تجعل مجددا حياة أكثر من 3500 معارض للنظام الإيراني معرضة للخطر، وأن الضغوط الكبيرة التي تمارسها سلطة الملالي ضد حكومة السيد نوري المالكي من أجل إجباره على تنفيذ ذلك المخطط المشبوه والمثير للقلق قد تدفع في لحظة ضعف وتراخ هذه الحكومة إلى الامتثال للأمر، وعندها ستبدأ مرحلة جديدة من المعاناة والمأساة بالنسبة لسكان أشرف.

لكن النقطة التي يجب أن تضعها الحكومة العراقية بحسبانها وتدرس بجدية تداعياتها واحتمالاتها المتباينة، هي أنها لو قامت بتنفيذ هكذا مخطط مخالف للقوانين الدولية ومعاد للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وأبسط حرياته، فإنها ستجبر مجددا كل القوى الخيرة والديمقراطية والمحبة للسلام أن تتدخل بقوة وتقف بكل ما لديها من إمكانيات لنصرة سكان أشرف، وأننا واثقون من أن الحكومة العراقية لن تجازف وتخاطر بسمعة ومكانة العراق الدولية من أجل إرضاء جهة خارجية، وأننا نجزم بأن منطق العقل والحكمة سيغلب على الموقف العراقي بنهاية المطاف ويتم صرف النظر نهائيا عن هكذا مخطط غير إنساني.

إننا في اللجنة البرلمانية لإيران الحرة في بريطانيا ـ وهي اللجنة التي تضم أغلبية النواب في مجلس العموم وأكثر من مائتين من أعضاء مجلس اللوردات في بريطانيا ـ نتوقع من الحكومة العراقية ورئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي احترام حقوق سكان أشرف والامتناع عن إخراجهم أو نقلهم من مكان لآخر، وإنهاء محاصرتهم. وأن حكومة نوري المالكي باحترامها والتزامها وتنفيذها للموازين الإنسانية لسكان أشرف المنطلقة من المبادئ الأساسية للقوانين الدولية المرعية بهذا الصدد وامتناعها عن أي أعمال منافية أو مخالفة للقوانين الدولية أعلاه وقوانين أخرى ذات صلة بالأمر، خصوصا عندما تنهي محاصرتهم وتمتنع عن نقلهم أو إجبارهم على الانتقال لمكان آخر كامتثال منها لمبدأ «نان رفولمان» الخاص بعدم النقل القسري لسكان أشرف، فإنها ستبعث برسالة قوية المضامين للمجتمع الدولي تؤكد فيها بقوة وجدارة حيثية العراق كدولة مستقلة وديمقراطية بإمكانها أن تسير أمورها بعيدا عن مظلة الملالي وطموحاتهم ومخططاتهم الشريرة.

* عضو مجلس العموم البريطاني (البرلمان) وعضو اللجنة البرلمانية البريطانية من أجل إيران حرة