كلينتون من مراكش.. رؤية استراتيجية وخطوات عملية

TT

على مر الأشهر الخمسة الماضية ومنذ أن ألقى الرئيس باراك أوباما خطابه من القاهرة إلى المجتمعات المسلمة حول العالم استمعت الولايات المتحدة لأصوات المحللين والمراقبين العرب، بالإضافة إلى النبض الإلكتروني العربي على الإنترنت. أدركت أمريكا الرابط المشترك الذي يجمع غالبية الأصوات، التي تعكس مزيجا من التفاؤل والترقب حول متى ستقوم أمريكا بحل المشاكل العالقة وبخاصة قضية الشرق الأوسط المزمنة. إن هذا التفاؤل والثقة في الولايات المتحدة يعكس الروح الإيجابية لشعوب ترغب في الأمن والأمان ولكن ـ من جهة أخرى ـ هذا التفاؤل والثقة هو أحادي التوجه لأنه لا يعكس بشكل كامل روح الشراكة والتعاون التي نبحث عنها في هذه الرؤيا الإستراتيجية لـ «البداية الجديدة» في علاقتنا مع العالم الإسلامي والعربي. إن جهودنا لا تنصب على قضية واحدة وإنما هي متعددة الأبعاد.

من قبيل المتابعة لخطاب القاهرة، لقد عملنا وعلى مدى الأشهر الماضية على تحديد مجالات واضحة ومحددة للتعاون لتحقيق أهدافنا المشتركة التي تؤدي إلى ازدهار اقتصادي للمجتمعات الإسلامية المختلفة. أكدت وزيرة الخارجية كلينتون في «منتدى المستقبل» السادس الذي عقد في مراكش بالمغرب على مدى يومي 2 و 3 نوفمبر الجاري بأن هناك عناصر أساسية يجب أن تتوافر لكي تزدهر المجتمعات: التمكين الاقتصادي والتعليم والصحة وتوافر الطاقة والحصول على التمويل المادي. وركزت على أن التقدم الحقيقي لن يتحقق إلا من خلال المجتمع ولا يمكن فرضه من الخارج، وأن أي تغيير فعلي ومستدام لن يحدث بين ليلة وضحاها. ولذلك فإن تركيزنا لن يكون محصورا على مشروع واحد بل سنسعى إلى العمل مع الحكومات والمجتمع المدني لبناء الطاقة والمقدرة للمنظمات المحلية وللأفراد من أجل الإبقاء على علاقة دائمة مع المنطقة.

وللإبقاء على خطوط التواصل بيننا تقوم مبعوثة كلينتون الخاصة إلى المجتمعات المسلمة فرح باندث بجولات على نطاق واسع للإصغاء إلى الآراء وتعود إلينا لإطلاعنا على الاهتمامات ودواعي القلق التي سمعتها من أولئك الذين يعيشون ويعملون من أجل حياة أفضل، والتي من شأنها المساعدة في تشكيل أفعالنا التي تركز على ثلاثة مجالات. المجال الأول يخص خلق فرص وظيفية. وإلى ذلك سوف يعقد الرئيس أوباما قمة لمشاريع الأعمال التجارية الحرة في واشنطن في بداية العام المقبل بهدف جمع هؤلاء الذين ينوون خلق مشاريع تجارية صغيرة الحجم وهؤلاء الذين يسعون لتوسيع أعمالهم الصغيرة.

المجال الثاني يخص تقدم العلوم والتكنلوجيا من أجل التغلب على التحديات العالمية والمساعدة على خلق الوظائف. وتذاكرت كلينتون كيف أن العالم الإسلامي كان يقود العالم تاريخيا في العلوم والطب وساهم في تمهيد الطريق لكثير من التقنيات والعلوم التي نشاهدها ونستخدمها بشكل دائم. ولكن التحديات عظيمة ومنها أزمة المناخ والأوبئة والمياه وغيرها والتي تحتاج إلى قاعدة معرفية وبحثية على مستوى التحدي. تفعيل أساسيات البحث العلمي والتكنلوجي سوف يؤدي إلى إرساء بيئة ديدنها التقدم العلمي والاختراعات. وإلى ذلك أسست وزارة الخارجية برنامج المبعوثين العلميين والذي سيكون أول مبعوثيه العلماء الأمريكيون البارزون: الدكتور بروس ألبرت، الرئيس السابق للأكاديمية الوطنية للعلوم، والدكتور إلياس زرهوني، المدير السابق للمعاهد الوطنية للصحة، والدكتور أحمد زويل، الكيميائي الفائز بجائزة نوبل، والذين سيذهبون إلى شمال أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا استجابة لتكليف الرئيس أوباما برعاية التعاون العلمي والتكنولوجي.

المجال الثالث الذي سنشارك فيه هو التعليم. يجب فتح المجال أمام جميع شرائح المجتمع لأخذ نصيبها من التعليم والمعرفة. فالتعليم يصب في مصلحة الشعوب ويؤدي إلى اقتصاديات أكثر ازدهارا ومجتمعات أكثر مقدرة على مجابهة التحديات. وشددت كلينتون على دور المرأة وضرورة عدم إغفالها. فالنساء نصف المجتمع، ولا يمكن لأي مجتمع تحقيق تطور حقيقي دون أن تكون المرأة جزءا فاعلا فيه. ولذلك فقد سمت الولايات المتحدة أول سفيرة لقضايا المرأة العالمية ميلاني فرفير. وإكمالا لروح منتدى المستقبل الذي شاركت فيه الحكومات ومنظمات المجتمع المدني فإننا نطلق مبادرة المجتمع المدني إيمانا منا بأن النمو الاقتصادي الذي يفيد أكبر عدد من أفراد المجتمع هو ذلك النمو الذي تسهم فيه منظمات المجتمع المدني.

جميع النقاط التي طرحتها الوزيرة كلينتون في مراكش هي من أجل تنمية وتعاون مستدامين على المدى البعيد. إن هذه الرؤيا العريضة لا تستثني جهودنا الساعية إلى تحقيق السلام. نحن متفائلون بأن تحقيق السلام ممكن، ولذلك فإننا نعمل على إعادة تفعيل عملية السلام بناء على خارطة الطريق وحل الدولتين من أجل اتفاق شامل ودائم. وإلى ذلك فإن إدارة الرئيس أوباما واضحة وصريحة في موقفها من المستوطنات، ولم تغير من موقفها؛ إن الولايات المتحدة لا تقبل بشرعية النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية المستمرة. إننا نعي ما أعربت عنه إسرائيل من استعداد للحد من النشاطات الاستيطانية كنتيجة لنداءات الولايات المتحدة والفلسطينيين والعالم العربي، والذي يشمل عدم بناء مستوطنات جديدة وعدم مصادرة أي أراض وعدم السماح لتراخيص بناء أو إقامة أبنية جديدة. وقد أكدت كلينتون أن ذلك لا يرقى إلى المطلوب لما يمكن وصفه بأنه موقفنا ولا إلى ما نفضله. ولكن إذا نفذت فعلا إسرائيل ذلك فسوف تكون سابقة تحد من المستوطنات وسوف يكون لها وقع مؤثر ومهم على الحد من نموها.

لا بأس من التعبير عن الآراء والنوايا، ولكن نحن ندرك أن النتائج تكون هي الحكم في النهاية. نحن نتابع أقوالنا التي عبر عنها الرئيس أوباما في القاهرة بخطوات عملية وواضحة تنتهي بأهداف واقعية يمكن تحقيقها طرحتها كلينتون في منتدى المستقبل. إن هذه «البداية الجديدة» هي علاقة تشارك وتعاون وليست أحادية الجانب، ونحن نتطلع إلى الشد على أيدي بعضنا البعض من أجل تحقيق ما يصب في مصلحة المجتمعات المسلمة لأنها تسهم في خلق بيئة عالمية أكثر استقرارا وأمنا وأفضل تهيؤا للازدهار الاقتصادي.

* فريق التواصل الإلكتروني وزارة الخارجية الأميركية