حزب الله والخيمة!

TT

أصدر حزب الله بياناً يستنكر فيه إيقاف بث قناة العالم الإيرانية على القمرين الصناعيين عرب سات، ونايل سات، وجاء في بيان الحزب أن «حزب الله الذي يعلن تضامنه التام مع قناة العالم، يعتبر ما جرى انتهاكاً ومساساً بحرية الرأي والتعبير، ويدعو إلى معالجة فورية لهذه القضية بما يكفل صون الحريات العامة».

حديث حزب الله عن الحرية ذكرني بطرفة وصلتني عبر البريد الالكتروني، تقول إن فيلسوفا ورجلا أميا قررا الذهاب إلى الصحراء، وقضاء ليلة هناك، حيث نصبا خيمتهما، وبعد عناء يوم طويل قررا النوم في الخيمة، وبعد أن استغرقا في النوم أيقظ الرجل الأمي صديقه الفيلسوف ليقول له: أنظر إلى الأعلى، وأخبرني ماذا ترى؟ نظر الفيلسوف إلى السماء وقال: أرى نجوماً لا عدد لها!

فسأله الأمي: وماذا يعني ذلك؟ قال الفيلسوف: هذا دليل على مقدرة الخالق الذي تجلت قدرته هنا في روعة هذه السماء المرصعة بالنجوم، بل وأستطيع أن أقول لك كم هو الوقت الآن، وكيف سيكون عليه حال الطقس غدا إن أردت! ثم توجه الفيلسوف لصديقه الأمي سائلا: حسناً أخبرني أنت ماذا ترى؟ فأجاب الأمي: أرى أن خيمتنا قد سرقت يا غبي!

وهذه القصة تنطبق تماماً على حديث حزب الله عن انتهاك حرية الرأي والتعبير، وضرورة صون الحريات العامة، حيث يحاضرنا الحزب عن الحرية التي يستغلها لخدمة أهداف ترسخ الانقسام الطائفي، وتهديد السلم الاجتماعي العربي، بل إن حزب الله الذي ينافح عن الحرية اليوم كان أول ما فعله بعد انقلاب السابع من أيار يوم سيطر حزبه على المناطق السنية في بيروت أن قام بمهاجمة وسائل الإعلام المختلفة معه بالسلاح، ناهيك عن ترهيب الصحافيين اللبنانيين.

والغريب أن حزب الله يعلن مناصرته ودعمه لقناة العالم الإيرانية، وباسم حرية الرأي والتعبير، ولم نسمع عن الحزب كلمة واحدة بحق الصحف التي تغلق كل يوم في إيران، ومنذ سنين، وعددها يفوق المئتين، ناهيك عن سجن واضطهاد الصحافيين في طهران، الذين يطالبون بخطوات إصلاحية، وتعكس مطالبهم ما يريده نصف المجتمع الإيراني، وليس فئة صغيرة، أو مجموعة محسوبة على دولة خارجية، مثل حالة حزب الله، أو حالة قناة العالم التي تريد أن تقنعنا بأنها تحمل الهم العربي، وكل ما تفعله هو دعم الانفصاليين، وحملة السلاح ضد أمننا واستقرارنا.

قناة العالم الإيرانية التي تقوم بالتحريض الطائفي، وإثارة النعرات، ليست محطة تلفزيونية تقوم على مبادئ إعلامية احترافية، حتى يطالبنا الحزب بالتباكي عليها، والأمر نفسه ينطبق على قناة المنار الخاصة بحزب الله، بل كلتاهما وسائل إعلام تعبوية طائفية، وهذا أمر مخالف لمفهوم حرية الرأي والتعبير التي أول شروطها، أي الحرية، المسؤولية، والمبدأ القائم على فهم أن حريتك تنتهي عندما تعتدي على حرية الآخرين.

ولذا فإن تباكي حزب الله على إيقاف بث قناة العالم مثله مثل حديث فيلسوف الخيمة، والمتعاطفون مع عملاء إيران يرتكبون نفس الخطأ، حيث لم يتنبهوا إلى أن خيمة الاستقرار في منطقتنا تتعرض إلى الخطر بسبب طهران وعملائها.

[email protected]