هوسات المرأة العراقية

TT

من يقرأ هذا العنوان يحسب أنني أقصد الهوسات التي تعملها الزوجة العراقية في بيتها كل يوم! أعوذ بالله! ما أقصده هو هوسات الحرب التي عرفت عنها وأنشدتها في مناسبات مختلفة. فمن عادات المرأة العراقية الفلاحة والعشائرية هي مشاركتها الرجل في حروبه، أحيانا بحمل السلاح معه وغالبا بحضورها ومشاركتها في تشجيعه وحثه على المصابرة والمثابرة في القتال.

حالما يبدأ «الطق» أي دوي الرصاص تجد جموعهن يحتشدن في عصب، يخلعن عباءتهن وفوطاتهن ويلوحن بها في الهواء، يحثثن رجالهن على القتال ويزغردن وينشدن أغاني الحرب تشجيعا لهم. لا بد أن يكون ذلك مشهدا مثيرا حقا وأنت تسمع الهلاهل تنطلق من حناجرهن وتذوب بأزيز الرصاص والكل نساء ورجالا ينشدون هوسات القتال.

وصلت هذه المشاركة أوج رفعتها أثناء ثورة العشرين. راحت فطيمة بنت ولي، الفلاحة البسيطة من أهل المنتفق، تلوح بعباءتها وتنشد:

حل فرض الخامس قوموا له!

والفرض الخامس هو فرض الجهاد المفروض على كل مسلم. وثنت عليها صويحباتها بذات الوزن والقافية:

بالدم يتسجل خلوها..!

وكان الرجال يهوسون ببنادقهم ومقاويرهم:

إحنا الياكلنا يغص بينا

دزوه يبلعنا وغص بينا

برزت بين المشاركات امرأة نسيت اسمها مع الأسف وكان قد لمع ذكرها بين شاعرات العراق الشعبيات اللواتي ساهمن بكلماتهن في الثورة. كان الكولونيل ولسن الحاكم البريطاني في العراق. فلعبت على اسمه بهذا الجناس الشعري الظريف وهي تعير من ارتضى الحكم الأنكليزي وحكم ولسن على بلدهم وتشير بعين الوقت إلى بطولات معركة الرستمية:

عجب ما ظلت لنا حلوق ولسن

ولا رجال وعلينا يحكم «ولسن»

تشع سيوفكم نيران ولسن

سنا برق الحتف بالرستمية

وانبرت شاعرة أخرى تهيب بابنها على الجهاد:

عفيه ولدي شيّال همي

يا بطل يا مهتلف يا نشمي

يا بعد ابوي وبعد عمي

غذيتك بروحي ودمي

ردتك قلوب عداك تدمي