«جيز» الحصاد

TT

دعاني الصديق أحمد السعيد إلى فنجان قهوة في فندق فينيسيا. وسهل على الأصدقاء أن يتحدثوا في الصحافة والسياسة ويقولوا ماذا ومن يعجبهم، ومن يقرأون ومن لا يقرأون حتى التهديد بالسلاح. وروى لي أبو خالد أن أحد المشتغلين بحرفة الكتاب وضع يده على مسدسه ذات يوم، وسأله إن كان يقرأه، فأجابه بكل هدوء «يا ابني الله بيحبني وراضي ومنعم. يا ابني المؤمن لا يكدّر النفس بإرغامها على شيء».

حاولت أن أجاري أبا خالد بالحديث عن التجارة والصناعة. ثم تمنيت لو لم أغامر. سألته عن عدد مطاعم «هرفي» التي يملكها. قال وهو يعرض علي فنجان قهوة ثانيا: 165 مطعما بدخل نصف مليار ريال في السنة. وصحح مدير أعماله بهدوء ووقار: «السنة دي بقوا طال عمرك 650 مليون ريال. حاجة زي كده».

سألت أبا خالد إن كان ينوي إطلاق «هرفي» في لبنان، أجاب «ندرس الأمر. لكن الآن نبيع كميات كبرى من المعمول». قلت، هل تبيع المعمول في لبنان، قال «بالتمر والجوز». أضاف مدير أعماله «والشبورة كمان». وشرح للجاهل أمامه «الشبورة سيادتك بتسموها هنا الطوست» شكرته على التوضيح، فقال أبو خالد «أخبره عن معلبات الخضار والفواكه». قلت هل تبيعون معلبات الخضار والفواكه السعودية في لبنان؟

تدخل مدير الأعمال مصححا «واللحوم المعلبة كمان». ولم أنتظر أن يتمادى في الاستفزاز والازدراء، فقلت يا أبا خالد، قرأت منذ سنوات قليلة أن السعودية تصدر 150 صنفا إلى لبنان، من الخيار إلى البرادات. قال، لا تنس البطاطا والغسالات والبطيخ. ثم سامحني لكن معلوماتك قديمة قليلا، لأن وكيلنا فيصل الرشيدي وحده يقول إنه يسوق 70 صنفا من المنتوجات السعودية. يعني لا بد أن تكون الأصناف قد تضاعفت مرة على الأقل.

قلت يا أبا خالد، لكن نحن لبنان. لقد بلغ معدل الأمطار عندنا في شهر واحد 122 ميللمترا. وأرضنا تراب لا رمال. وأحد أوائل المهاجرين عمل مع طوماس أديسون أواخر القرن التاسع عشر. صناعتنا قديمة وزراعتنا قديمة وجامعاتنا قديمة وأنوالنا قديمة ومرافئنا عمرها ألوف السنين. فأجاب مدير الأعمال: «كل ده سيادتك صحيح. لكن ربما كانت حكاية الصرار والنملة من عندكم برضو». قلت ما معناه «إحنا سيادتك بنسمي الصرار ده الجيز أو الزيز. وهو يكثر بغنائه في موسم الحصاد. وفي إحدى مسرحيات الرحابنة يخاطب الصرار نفسه قائلا: «أنا جيز الحصايد، شرشحتني القصايد». ألا تعتقد أنه يستحق؟