للمرة الثانية: طه حسين!

TT

تشجعت. وطلبت من سكرتير طه حسين: أرجو أن ألتقي بطه حسين. ولم أنتظر طويلا حتى تحدد موعد اللقاء في بيته في ساعة مبكرة.. كانت الثامنة. وفي الموعد تماما انفتحت لي كل الأبواب. وعلى اليمين مكتب طه حسين. وطه حسين كان جالسا بالقرب من الباب. سمعني فوقف لتحيتي قائلا: أهلا بك يا سيدي!

هذا الأدب أذاب الكلام الذي كنت قد أعددته وقررت أن أغير الكلام وأحوله إلى حديث معه. وأيامها كنت المحرر الأدبي لصحيفة «الأخبار».. وابتدعت أسئلة وقضايا. وكما كان طه حسين يتحدث في الجامعة كان يتحدث لي في مودة. شيء غريب. إن هذا الذي رأيته عند طه حسين لم أره عند العقاد. فالعقاد جاف خشن صارم أحيانا.

طبيعي أن يحب الطلبة طه حسين. والأساتذة وكل الناس. ماذا يطلبون من عظيم إلا أن يكون أكثر تواضعا وأشد ألفة وأعمق مودة. ماذا نقول لرجل يقول لطالب يا سيدي.. قالها عشرين ثلاثين مرة في هذا الحديث كلما أراد أن ينتقل من موضوع إلى آخر.

اختلقت سؤالا: ما رأيك يا أستاذنا العظيم في الترجمة.. نحن لا نترجم عن الغرب كتبا كثيرة. إننا نحتاج إلى من ينقل لنا حضارة الغرب، فالإقبال على اللغات عندنا قليل. فالإنجليز احتلوا مصر سبعين عاما وليس بيننا من يتكلم الإنجليزية كأهلها.. أما الاحتلال الفرنسي لسورية ولبنان وتونس والجزائر والمغرب ترك فيهم أناسا كأنهم فرنسيون في التحدث والتفكير وأكثر ارتباطا بالأم فرنسا؟!

ابتسم طه حسين واعتدل في جلسته ورفع رأسه وكأنما يتلقى الوحي وقال: يا سيدي أنت أثرت قضية هامة جدا. لأننا لسنا نحتاج إلى ترجمة الكتب وإنما إلى ترجمة العلوم. فالشعوب ترقى بالعلم وتنتعش بالأدب.. فالعلم لا يفسد الذوق. والأدب لا يصيب العلم بالخرافة. والمثل الأعلى أن نتلقى العلم وأن ننقله للناس في سهولة ويسر. وقال يا سيدي عشرين مرة..

وكان في نيتي أن أعرض عليه شكوانا من خشونة الأستاذ العقاد ورفضه لأن نناقشه أو يكون لنا رأي مخالف!