ترشيد الحالة المهرجانية

TT

أضافت اصيلة لانجازات مهرجانها هذا العام جائزة الرواية العربية التي حملت اسم القاص المغربي الراحل محمد زفزاف، وهي الجائزة الثالثة بعد جائزة الابداع الافريقي التي تحمل اسم الشاعر السنغالي تشيكايا اوتامسي وجائزة بلند الحيدري للشعراء العرب الشباب، وموعدها الصيف المقبل.

والانجازات ليست في الجوائز وحدها، فهذه تبدو ظاهريا سهلة اذا ما قورنت بالاضافة الجديدة المتمثلة بانشاء صندوق للترجمة مهمته نقل الاعمال الابداعية العربية الى اللغات الاجنبية، والمنجز الآخر الذي يخضع للتطوير وهو مركز الدراسات الاميركية، فإذا اضفت الى ذلك مكتبة الأمير بندر بن سلطان التي ستضم مع تقنياتها وكتبها وسمناراتها قاعة تتسع لستمائة متفرج ومرافق تساعد الامهات على اصطحاب اطفالهن وابقائهم على مقربة اثناء الاشتغال على ابحاثهن، تدرك ان الفكرة الاساسية التي انطلق منها ذلك المهرجان العربي الضخم لتمتين علاقة الثقافة والفن بالبيئة لم يطوها النسيان، ولم تتحول الى حبر على ورق كعادة التوصيات التقليدية في معظم المهرجانات العربية.

ولا نركز على اصيلة ومهرجانها من باب التعصب، انما لنطرح بعد ان تكاثرت المهرجانات العربية، وصارت في بعض الاقطار العربية اكثر من عدد ايام السنة، فكرة للمناقشة.

نأمل ان يقبلها المشرفون على المهرجانات مليا، وان يسألوا انفسهم قبل انطلاقة اي مهرجان: ماذا يقدم ذلك المهرجان للبيئة والمجتمع؟.

ان المهرجان الثقافي او الفني ليس فرصة لاعطاء منبر اعلامي لشخص او عدة اشخاص في وقت معين من السنة، ولا مناسبة لتلميع زيد وعبيد، ولا فصلا سنويا لتجميع الناس في حفلات عشاء وغداء وثرثرة، لكنه وقبل كل شيء اداة لخدمة المنطقة التي يوجد فيها، فعدد مدن الجنوب الفرنسي الجميلة بالعشرات، لكن الناس تقصد كان على وجه الخصوص لأن مهرجان تلك المدينة نجح في ان يضعها على الخارطة الثقافية والفنية والسياحية، وصار اسمه لوحده مركز جذب وجاذبية.

والامر ذاته يمكن ان يقال عن ادنبره الشمالية البعيدة التي يستقطب مهرجانها السنوي ملايين الزوار ويدر على بلدية المدينة دخلا سنويا ثابتا يساعدها على تطوير المرافق والمبالغة في تجميل المدينة.

وقد سار المشرفون على مهرجان اصيلة على ذات الدرب وكان للخبرة المكثفة التي حملها معه مؤسس المهرجان محمد بن عيسى وزير خارجية المغرب الحالي بعد عودته لبلاده من العمل في منظمات الامم المتحدة، الدور الاساسي في ربط انشطة المهرجان بالبيئة والمجتمع وتشجيع ما يسمى بالسياحة الثقافية وهكذا انتقلت اصيلة من بلدة متواضعة الى مركز جذب ثقافي وسياحي وفني، يقصده البسطاء، والنجوم على حد سواء، فهذا العام كان فيها اكثر من نجم ليس اكبرهم عزت العلايلي ولا حسين فهمي.

وهذه الانشطة تبدو شكلية اذا ما قورنت بعشرات الفنانين التشكيليين الذين يلونون منازل البلدة كل عام وبورشات الحدادة والنجارة والديكور التي تدرب اجيالا من العاطلين عن العمل على مهن جديدة، وتعطيهم فرصا لاظهار مهاراتهم ومواهبهم الدفينة.

واذا نسيت كل هذه المعاني وتذكرت ان القادم للسياحة في تلك المنطقة يجد كل مساء ما يستمع اليه في اطار ذلك البرنامج الموسيقي الضخم الذي يعده المهرجان ويستقدم لاجله فرقا وعازفين من مختلف انحاء العالم، تدرك الخدمة الجليلة التي يقدمها مهرجان اصيلة لسكانها وبلديتها وزوارها.

ان الحالة المهرجانية حلوة بحد ذاتها فمن الجميل ان يبتهج البشر، ويغنوا، ويرقصوا، لكن اذا ظل الامر في هذا الاطار فقدت الفعاليات زخمها بعد عام او عامين، لذا يرتبط نجاح المهرجانات دائما بدينامو مفكر يقدم كل عام الجديد والمفيد، ويركز على الانشطة التي تخدم البيئة وناسها، فما ينفع الناس يمكث في الارض اما الباقي، فيتبخر بمجرد انتهاء نوبة التصفيق واسدال الستارة.

ان اصيلة بمهرجانها وكتائبها المفكرة والعاملة تحرض على دعوة مخلصة لترشيد الحالة المهرجانية العربية وتحويلها من مظاهر وبهارج شكلية الى جزء من حياة الناس، ورافد حقيقي لتجميل بيئتهم ومناخهم والرقي باذواقهم من خلال المحرضات الروحية للفن والثقافة.