يوم موت الحمار

TT

ذكرني الجدل الدائر عن غشاء البكارة المصنوع في الصين والذي لا يستوجب تدخلا جراحيا للترميم، ذكرني بحكاية سمعتها عن حمار وصاحبه. فقد كان صاحب الحمار يستعين بحماره في حمل الاثقال والانتقال بحرية عند الضرورة. وكان الحمار يأكل من العلف ما يقدمه له صاحبه ويبيت حيث يتركه. وفي احد الايام اكتشف الرجل ان الخرج ليس به علف يكفي لغذاء الحمار فعزم على تصحيح الوضع في اليوم التالي ولكنه اكتفى بتقديم الكمية الضئيلة من العلف المتبقي لحماره.

وفي صباح اليوم التالي سره أن قام الحمار بحمل الاثقال كالمعتاد دون ان يشكو. وحين اشترى صاحبه العلف سولت له نفسه بأن الحمار حمار لم يفطن إلى ضآلة ما قدمه له في اليوم السابق. وعليه قرر ان يخفض كمية العلف اليومي الذي يقدمه لحماره الامين توفيرا للنفقات. واكل الحمار في صمت وحمل الاثقال كالمعتاد. ولذلك قرر صاحبه انه لا مانع من تخفيض العلف مرة اخرى. وسارت الأمورـ كما تصورـ علي ما كانت عليه. بيد انه ذات صباح دخل إلى حيث يبيت الحمار فوجده جثة هامدة.

اضحكتني القصة حين سمعتها ولكني لا اقول ان غشاء البكارة الصيني يضحكني لأنه كاد يبكيني. فقد انصب الجدل الفقهي علي ان الاستعانة بغشاء مزيف هو غش وتدليس وخداع. بل وذهب المجلس العلمي في إحدى العواصم العربية إلى القول بأن الغش هو: اظهار البائع ما يوهم جودة في السلعة كذبا أو يخفي عيبا فيها.

بذلك اصبحت المرأة الزوجة سلعة تباع وفقا لمستويات يحددها المشتري.

واذا تجاوزنا عن منطق البيع والشراء كيف نتجاوز عن ضرورة تحليل الظاهرة وتحديد مسؤولية من شاركوا في وجودها؟

فكل فتاة فقدت عذريتهاـ باستثناء البغاياـ لها شريك في الفعل. وقد يكون الشريك حبيبا استمرأ مبدأ «اخطف واجري». وقد يكون ضحية لرسالة مجتمعية اوهمته بأن الرجل لا يعيبه الا جيبه. وقد يكون الجاني ابا يمارس العضل على بناته بدون ان تطاله يد القانون الوضعي أو القانون المجتمعي. وقد تكون اما تمارس حقوق الملكية على بناتها فترفض الخاطب لأنها لم تختره أو لأنه لن يصبح بعد الزواج من ابنتها وردة تتباهى بها اجتماعيا بين قريباتها وصاحباتها. وقد يكون الشريك شابا يفضل الزواج بالاميركية أو الاوروبية بدون قيد ولا شرط ولكنه ينبش في ماضي بنت بلده ويتراجع عن الزواج لأوهى سبب. والنتيجة هي ملايين البنات يعانقن الحزن في صمت الغرف المغلقة وضمائر مثقلة بالخوف وفقدان الامل، تتربص بهن الفخاخ عند كل منعطف.

ورغم محبتي لبنات جنسي واعترافي بالقوة المعنوية وقوة الاحتمال التي اسبغها الله على الأنثى في كل مكان وزمان أعود فأذكر بقصة الحمار وصاحبه. اسألكم: من كان مسؤولا عن موت الحمار؟ هل مات الحمار لأنه حمار ابكم لم يجهر بانه جائع وحزين وتعبان؟ وان كانت الاجابة بنعم فأين كان عقل صاحبه؟

اذا اعتمدنا صيغة البيع والشراء فإن موت الحمار يقلب حسابات المكسب والخسارة التي اعتمدها صاحبه رأسا على عقب. فهو خسران خسران لأنه لم يوظف عقله ولم يعامل الحمار بعدل ورحمة.

نحن بحاجة إلى تحليل لا إلى تهويل، حتي لا يفقد الشرف معناه ويصبح سلعة تحمل بطاقة كتب عليها «صنع في الصين». والسعر 100 دولار.