بالعربي الكسيح

TT

إلى جنابكم وحضراتكم، فقرةً، أو مقطعاً، من فصل في كتاب مترجم عن لغة ما، صادر عن دار نشر في عاصمة عربية ما عرف عنها سيلان الكتب المنقولة. والكتاب له عنوان، اسمحوا ألا أذكره، وله مؤلف مسكين لا يعرف العربية وإلا فضل الانتحار، وله مترجم وفقه الله في أي عمل آخر. ولدار النشر عنوان، لن أكشفه لحضراتكم، خوفاً من أن يغريكم الشعور بالنخوة، بأي عمل طائش. أو مشكور.

إليكم، باللغة العربية، ما يلي: «وهكذا فاليوم ـ كما قلت ـ كان مناسباً، عشب مبكر، وزهور سابقة، كلها تفتحت. وأنا أذكر ـ حيث كنت أقف ذلك الوقت، ولأن الفصل نقدم ـ أنه كانت هناك أزهار «ليلك» متفتحة تماماً، وبفعل واحد من التحولات الذهنية التي تطرأ لتعطي نكهة للأحداث دون أن تكون جزءاً منها، وجدت نفسي أتذكر دائماً المأساة الهائلة لذلك اليوم لمجرد رؤية وعبق هذه الأزهار، فهي لا تخطئ لكني لا يجب أن أعتمد على تلك المعاونات، فالفعل يتسارع».

دعوني أقسم أنني لم أزد ولم أنقص حرفاً أو نقطة أو فاصلة. ولكن ما شأني في الأمر؟ لماذا أنا غاضب؟ من جعلني وكيلا على اللغة العربية؟ من اشترط أن يكون النص مقروءاً ومفهوماً وله بداية ونهاية ومعنى؟ لا. إنني أعتذر. لكنني قارئ دفعت ثمن هذا الكتاب وعدت به إلى بيتي، وخدعت بأنني أقرأ العربية التي أحب، فإذا المترجم (والناشر) يقول لي «وأتذكر تفكيري حول كم هو شيء ساخر أنه ـ وباعتبار ما ـ الممثل البطل في أكثر الدراميات عنفاً وضخامة مما عرف على مسرح التاريخ الحديث عبر القرون، قد يجلس هناك ويصبح مهتما ومتفاعلا مع أولئك الرجال الخائرين الذين يتحركون بملامح سخيفة وروح غريبة ونص مسطح».

ماذا فهمت جنابك من الفقرة أعلاه؟ طبعاً ما فهمته أنا. لكن جنابك تأخذ الأمور ببساطة: نص رث فلننتقل إلى سواه. نحن أهل المهنة، لا بد لنا من لطم رؤوسنا بالجدار أو بالشجر أو بالحديد والصلب. هذا ناشر وهذا مترجم يعتديان على نصوص متفردة ثم يعتديان معاً على اللغة الأصل وعلى الترجمة. ثم يعتديان على حرفة الترجمة ومهنة النشر والطباعة والتوزيع. ثم يدفعان، أو يدفعون، إلى قارئ يملك الحد الأدنى من الذوق والمعرفة والأمانة والآداب، بأكثر من ثمانمئة صفحة، بنصوص كلها من نوع «يأتي هذا المشهد المتعسف، وليس لوصفه حقيقة أو تماما على الإطلاق، لأنه بالنسبة للمئات العديدة هناك، يبدو أنه حتى تلك الساعة لم يترك سوى تشويه عابر، وحلم وخلط، ويمكن وصفه جزئياً كما سأقوم به الآن». ضيعان الورق والحبر والوقت والأعصاب. تباً للجهل من عدة طبقات.