أفضل الحلفاء الذين يمكن شراؤهم بالمال

TT

في عام 2003 كنت في رحلة إلى العراق وأعددت للقاء في المنطقة الخضراء مع أحد أعضاء مجلس الحكم العراقي آنذاك. كان الأمن محكما، وعندما وصلت مع مترجمي العراقي الذي كان يعمل بمهمة التدريس من قبل، إلى المجلس أخرجت بطاقة هويتي وبعد حديث مطول إلى بعض الجنود الأميركيين وطلبوا مني الانتظار، ثم خرج لي رجل يرتدي ملابس مدنية كانت أحدها أشبه بملابس الصيد ويرتدي قبعة الأدغال الاسترالية.

لم يعرّف الرجل لي نفسه بصورة كافية لكن كان من الواضح أنه «متعاقد مدني» عرفت ذلك من الشعار المنقوش على القميص. وعندما حاولت الاستفسار عن سبب تواجده هناك أمرني أن أغلق فمي حتى يسمح لي بالكلام. ثم طلب من مترجمي العراقي الانتظار فيما رافقني لأرى ما إذا كانت المقابلة التي سأجريها مع العضو العراقي ممكنة أم لا.

وهنا أجد نفسي مضطرا للاعتراف بأنني ومترجمي كنا نرغب في لكمه. لكنني استغرقت في التفكير وتساءلت: «لمن يقدم هذا الشخص تقاريره؟ إذا ما لكمته وأصابني فإلى من أشكوه؟».

كانت تلك المرة الأولى التي أواجه فيها الحراس الشخصيين ومزودي الخدمات وعمال الإغاثة ـ إيه كي إيه المتعاقدون المدنيون ـ الذين أصبحوا جزءا من منظومة الحرب الأميركية في العراق وأفغانستان، حتى أن البعض منهم تم استخدامه في أبو غريب للقيام «باستجواب» للإرهابيين المشتبه بهم. واليوم لا توجد عمليات بالغة الحساسية يمكن معها تعهيد العمليات للقطاع الخاص.

وخلال نقاشنا حول عدد القوات الإضافية المفترض إرسالها إلى أفغانستان، ربما يكون من الأنسب الحديث عن المدى الذي وصلنا إليه من استئجار المتعاقدين الأمنيين للقيام بالمهام التي قالت عنها وزارة الخارجية والبنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية إنها مهام خاصة بها. ولعل أنسب نقطة للبدء بها هو كتاب البروفسور أليسون ستانغر الأستاذ في كلية ميدلبيري، الجديد «أمة واحدة متعاقدة: تعهيد القوة الأميركية ومستقبل السياسة الخارجية».

وقال لي ستانغر إنه في كل عام يتم تعهيد المزيد والمزيد من الأعمال الأساسية من الأمن القومي ـ الدبلوماسية والتنمية والدفاع بل وحتى الاستخبارات ـ تحولت إلى أيدي المتعاقدين الذين تجاوزت أعدادهم تصورات الأميركيين. وأن أحد الأسباب الرئيسة في قدرتنا على الاستمرار في حروب أفغانستان والعراق بعدد قليل من الحلفاء هي استعانتنا بهؤلاء المتعاقدين.

ويوضح ستانغر أن أفغانستان والعراق هي أولى حروب المتعاقدين معنا، والتي تختلف عن حروبنا السابقة، من ناحية اعتمادهم غير المسبوق على القطاع الخاص في كل مظاهر تنفيذ تلك الحروب. فتشير الدراسة التي أعدها مكتب الأبحاث التابع للكونغرس إلى أن المتعاقدين الأمنيين يشكلون نسبة 48% من قوة عمل وزارة الدفاع في العراق و57% في أفغانستان عام 2009، وأن البنتاغون ليس المؤسسة الوحيدة التي تقوم بالاستعانة بالمتعاقدين، فوزارة الخارجية ووكالة المعونة الأميركية توسع من استخدامها لهم أيضا. يوفر المتعاقدون الأمنيون الحماية للشخصيات والمواقع المهمة مثل السفارات وطعام وملابس وسكن القوات وكذلك تدريب الجيش ووحدات الشرطة، وكذلك الإشراف على المتعاقدين الآخرين. ولولا الاستعانة بهؤلاء المتعاقدين لملء الفجوة لاضطررنا إلى استصدار قرار شرعي بالتدخل أو أن نحتاج إلى حلفاء حقيقيين.

أنا لا أعارض التعهيد أو تطوير كفاءة الحكومة أو استخدام أفضل العناصر لتأدية مهام خاصة. لكننا نقوم بتعهيد بعض صميم مهام الحكومة ـ التحقيق والأمن وتعزيز الديمقراطية. ومع تعهيد المزيد والمزيد من هذه الأعمال الحكومية ـ أو كما قال ستانغر يصبح «عندما يغير المال والتعليمات الأيادي مرات عدة في السياسة الخارجية ـ تضيع المصلحة العامة وتقع الانتهاكات والفساد. كما أننا نبني بذلك مؤسسة صناعة التعاقد في واشنطن والتي أصبح لديها مصالح اقتصادية في السياسة الخارجية. ألا يشكل ذلك خطأ، أم يجعلنا نقف موقف المشاهد؟

في عام 2008 ذهبت 80% من ميزانية وزارة الخارجية إلى الخارج في صورة عقود أمنية ومنح. وكان المتعاقد الداعم الرئيس للجيش في العراق شركة كي بي آر والتي أشارت التقارير إلى امتلاكها 17,000 عنصر هناك.

ويقترح الجيش الأميركي الآن مشروعا ضخما لبناء أمة في أفغانستان لتحل محل الحكومة العاجزة عن أداء مهماتها وتقديم خدماتها للشعب الأفغاني حتى لا ينحازوا إلى طالبان. ربما أكون أكثر تقبلا لهذا المشروع إذا ما كان هناك تحالف دولي حقيقي قادر على مشاركة عبء هذا الجهد الذي نتولاه منذ عقد من الزمن. لكننا لا نملك ذلك، فالشعوب الأوروبية لا تفضل هذه الحرب، كما أن حلفاءنا لن يقدموا المزيد من الجنود حتى يحصلوا على ثمن ذلك، لكننا نعوض هذه الاختلافات عبر استخدام المتعاقدين الأمنيين.

ربما تؤدي الحكومة بفعالية أكثر من خلال شركات التعاقدات الأمنية. وربما يساعد التعهيد في تقديم إبداعات حقيقية خاصة في مجال التنمية الاقتصادية. ومع ذلك، فأنا محافظ في هذا الشأن: فعندما تجري أميركا عمليات بالخارج، أفضل أن تقدم شركاتنا المحلية الخدمات العامة لأنها تحكمها نفس المنظومة القيمية للدولة ولأنها تدين بالولاء لبلادنا؛ فهي ليست مجرد شركات يحركها الربح أو التطلعات الشخصية.

* خدمة «نيويورك تايمز»